بقلم : محمد أمين
سوف تكتشف فى هذه المقالات أن مصر غنية جداً بكنوزها وآثارها، وسوف تعرف أن الآثار فى مصر ليست فى منطقتى الأهرامات والكرنك، أو سقارة فقط، وإنما هى موجودة على كل شبر فى أرض مصر.. ربما تقرأ عن أشياء لم تسمع عنها من قبل.. ومن أهم المعالم الأثرية فى المنيا مقابر بنى حسن أو مقابر النبلاء.. وعددها 39 مقبرة، وأهم هذه المقابر مقبرة «خيتى» ومقبرة «باكت الثالث»، و«خنوم حتب الثانى».. وهى مقابر منحوتة فى بطن الجبل تماماً حتى أعمدة زهرة اللوتس منحوتة.. والنقوش زاهية كأنها كانت أمس!
واكتشفنا قدرتنا على صعود الجبل، وكان يسبقنا إلى هناك مفتش الآثار المحترم الأستاذ محمود النبراوى.. وكان يحفظ الآثار وما فيها عن ظهر قلب، ويعرفه كل العاملين فى الآثار، من موظفين وعمال وحراس ويناديهم بأسمائهم.. وأسماء أولادهم.. وكنا نقف خلفه فى خشوع، وهو يشرح المعاملات اليومية للمصريين القدماء.. ويتحدث عن رحلات الصيد وإعداد الطعام وموسم الحصاد والزراعة والصناعة.. ويشرح لماذا اختار القدماء مقابرهم فى الشرق والحياة فى الغرب.. أقصد شرق النيل وغرب النيل، فهى مسألة مرتبطة بالحياة والخلود!
ولاحظتُ أيضاً أن سكان بنى حسن الحاليين يدفنون فى بطن الجبل بجوار مقابر النبلاء.. أما المشهد الذى لم أره فى أى مكان آخر فى مصر فهو دفن المسلمين والمسيحيين فى منطقة مدافن واحدة.. وهنا رأيت الوحدة الوطنية الحقيقية.. فالمسلمون فى جهة الغرب والمسيحيون جهة الشرق إلى أعلى الجبل، وشكل المقبرة لا يختلف كثيراً إلا فى الجمالون الذى يميز مقابر الأشقاء المسيحييين.. كما أن هناك بعض السكان يقيمون بجوار المقابر، كما يحدث فى القاهرة، وليس على المقابر، ولكنهم يبنون بيوتاً طينية بقباب تشبه قرية المهندس الكبير حسن فتحى فى أسوان، من أجل التهوية!
وأصحاب هذه المقابر كانوا يعيشون فى «زاوية سلطان» على بعد حوالى 20 كيلو غرب النيل، وبنوا المقابر فى الشرق لأسباب جيولوجية تتعلق بطبيعة الجبل فى الشرق، حيث يتكون من الحجر الجيرى ويمكن النحت فيه وسهولة الرسم به.. كل شىء كان يتم بحسابات فلكية وجيولوجية!
والمفاجأة أن أصحاب هذه المقابر كانوا حكام إقليم الوعل أى «الغزال» وليسوا ملوكًا أو أمراء، وقد كان حكام الأقاليم أصحاب نفوذ حيث تزوجوا من العائلة الملكية، ومما يثبت ذلك أيضا نظام الروعة والضخامة والإمكانيات التى استخدموها فى بناء مقابرهم على طراز مقابر الملوك من حيث الإمكانيات، والدقة، والروعة فى إتمام العمل، وتعتبر مقابر بنى حسن سجلاً كاملاً يسجل مظاهر الحياة فى مصر من الزراعة والصناعة فى عصر الدولة الوسطى!
باختصار، فى كل قرية زرناها هناك كنز.. وهناك منطقة أثرية كاملة.. يمكن أن تفتح متاحف كبرى فى العالم.. لو كانت أتيحت لهم.. هناك اكتشافات مازالت تنتظر.. تراها رأى العين.. وتحكى عظمة مصر والمصرييين!