بقلم : محمد أمين
فى التاسع من ديسمبر من كل عام يحتفل العالم بمكافحة الفساد.. وتحتفل مصر أيضًا على طريقتها.. وفى هذا العام تم عمل حملة إعلامية بعنوان «مصر أقوى من الفساد»، ونشرت هيئة الرقابة الإدارية فيديو على صفحتها بعنوان «ابدأ بنفسك».. ووجدتُ على إيميلى مشروع قانون متكامل، عن حماية المُبلِّغين ودور المتسلمين للبلاغ، وكيف يمكن مقاومة الفساد، وما مكافأة المُبلِّغ؟ وهناك معلومات كثيرة مهمة عن مشروع القانون لمَن يهمه الأمر!
وفى السنوات الماضية كانت «الرقابة الإدارية» فى عصرها الذهبى برعاية رئاسية، وتم تنظيف مصر من الفساد، لدرجة أن الفاسدين تضاءلوا أمام حملات ضباط «الرقابة»، ولم تتم تبرئة أى فاسد، أو الكلام عن أنها قضايا ملفقة، كما كان يحدث فى وقت سابق.. ولم تتراجع «الرقابة» أمام أسماء بعض الفاسدين، وضبطت محافظين ووزراء، بعضهم كانوا فى الحكم وبعضهم كانوا سابقين.. كلهم دفعوا حق الدولة، ثم تم حبسهم، وكثيرون منهم فى السجن الآن!
معناه أن قضايا الفساد ليست بالوقوف أمام الكاميرات، ولكن بالوقوف فى وجه الفاسدين، مهما علت مراكزهم بالقانون، لنرى قضايا تورط فيها الأكابر من مستغلى النفوذ، سواء تحت مظلة الحصانة البرلمانية أو الوزارية، بحيث لا يكون أحد فوق القانون، وقد نجحت مصر فى تأكيد سلطة القانون فعلًا، وقدمت نماذج لم يكن من الممكن تقديمها فى وقت سابق.. وبالتالى كان الكلام العملى للاحتفال بتقديم قضايا كبرى، للاحتفال باليوم العالمى للفساد!
فالفساد يُعد من أخطر القضايا التى تواجه الدول، وهو أداة قد تعطل حركة التنمية الاقتصادية والسياسية، وتحقق حالة من عدم الاستقرار لكافة المؤسسات، ولذلك كان لابد من زيادة الوعى بخطورة الفساد من أجل مكافحته، وتُعتبر مصر فى الحقيقة من أولى الدول التى اهتمت بمكافحة الفساد، فأنشأت الأجهزة الرقابية والنيابات الإدارية وجعلتها هيئات مستقلة لتجفيف منابع الفساد، ومنحتها اختصاصات واسعة، دون قيود عليها، ولم تعد «الرقابة الإدارية» تهتم بالقبض على الفاسدين بقدر ما تقوم بمنع الفساد من المنبع، وكان ذلك تطويرًا للعمل وتغييرًا فى السلوك أيضًا!
وأود الإشارة إلى أن هذه الهيئات أصبح لها دور فى اختيار القيادات طبقًا للتقارير والتحريات، بحيث يتم استبعاد الفاسدين من البداية، وهى خطوة مهمة لتطهير الجهاز الإدارى، ولا يمكن تجاوز هذه التقارير عند التعيين، وبعض الذين تجاوزوا التقارير الرقابية بطريقة أو أخرى سقطوا فى الامتحان، وانكشفوا وسقطوا فى قبضة القانون بعد فترة قليلة!
وأخيرًا، أقول: من المهم أن نقدم النماذج المضيئة النقية لإشاعة حالة من التفاؤل والأمل، وليس تقديم الفاشلين المسنودين، الذين يُشيعون الإحساس بالإحباط وتغلغل المحسوبية والوساطة.. وساعتها سوف نقول بأعلى صوت: «مصر أقوى من الفساد».. ليس أمام الكاميرات فقط ولكن أمام العالم كله!