بقلم - محمد أمين
فى مدخل كل عمارة كراسى متراصّة وسكان يجتمعون ليبحثوا الخروج من مأزق مخالفة اشتراطات البناء.. وصوانى الشاى والقهوة تلف عليهم من مقهى قريب.. بعضهم يصرخ والبعض الآخر يحاول التهدئة بأن العملية مجرد رسوم سيتم دفعها للتصالح.. مَن يصرخون يقولون واحنا ذنبنا إيه؟.. الحى كان فين؟.. والمحافظة كانت فين؟.. وليه سايبين المقاولين يتمتعون بالأموال وهم يعرفونهم؟!.
فى العمارة الواحدة ناس هايصة وناس لايصة.. ناس اشترت فى الجزء المرخص.. وناس اشترت فى الجزء المخالف.. الأخير لم يكن يعرف أن هناك مخالفة.. عندهم مرافق كاملة غاز وكهرباء ومياه.. هؤلاء يطالبون بضبط المقاول لإلزامه بدفع الغرامات المستحقة!.
وفى الغالب هناك محامٍ يشرح إجراءات التصالح.. وهو فى الغالب من طرف المقاول.. هو جاهز لتقديم الأوراق باسم السكان وليس باسم المقاول.. لا يريد أن يظهر اسم المقاول طبعًا.. ولكن سهل معرفة المقاولين والإبلاغ عنهم.. القانون نفسه زنق الساكن شاغل العين وليس المقاول.. «الكحول» باع واختفى.. أو مات أو حتى قُتل.. كل مقاول معه «كحول» من رجاله المخلصين، صبى المعلم الكبير.. جاهز يشيل القضية عن المقاول، وهو يشيل أولاده ومراته!.
لا مانع من تقنين المبانى والأراضى فى زمن التصالح.. نريد عمارة مصرية مُقنَّنة ولا نريد عشوائيات ولا مخالفات من جديد.. الفكرة نبيلة وتنفيذها فيه ظلم وغبن للسكان.. خصوصًا أنه يتم التطبيق بأثر رجعى.. على الأقل تكون هناك قسمة الغرماء!.. أى أن الساكن يدفع، لكن المقاول شريك، فهو المتسبب، ويدفع أكثر.. المناقشات فى كل الاجتماعات تلقى باللائمة على المالك الأصلى.. وهو الآن يتمتع بسرقته ومخالفته!.
وللأسف، الحكومة مسكت الساكن من «إيده اللى بتوجعه» كما يُقال، لأن قطع المرافق يضر الساكن ولا يضر المقاول.. وإزالة المخالفات تضر المُلّاك الجدد، ولا تضر المالك الأصلى الذى أخذ الملايين وهرب فى القصب.. والأزمة كلها أوقفت حال البلاد والعباد.. ولم يعد هناك مَن يبنى، وهو ما يهدد بارتفاع سعر السكن بدرجة مُبالَغ فيها.. خاصة حال الالتزام بالرخصة أو عدد الأدوار والبدروم.. وهو ما يخلق حالة من القلق الاجتماعى، نتمنى النظر إليها بعين الاعتبار!.
المؤكد أن الحكومة تريد استعادة هيبة الدولة، وتخليص البلد من العشوائيات والمخالفات والتحميل على المرافق بمعدلات رهيبة.. وهو شىء نحترمه.. ولكن يبقى ضبط العلاقة بين المقاول والمالك.. خصوصًا أن المقاولين يبيعون الشقق بمبالغ ضخمة، ويكتبون فقط نصفها فى العقد للتهرب من الضرائب.. وهو شىء معروف للجميع.. والأجهزة الرقابية يمكن أن تراجع أى عقود فى أى منطقة سكنية.. ولا يصح أن تبيع الدولة السكان لصالح فئة ضالّة أثرت من الحرام، من أول الرسم الهندسى!.
وعلى فكرة، لا أحد اشترى شقة على أنها مخالفة.. ومهم أن تكون هناك أوراق تثبت أن المبنى صالح، وتوضع على واجهة العقار وإلا يمنع من البناء.. المعيار عند الناس هو تركيب المرافق!.