حزن غير محتمل

حزن غير محتمل

المغرب اليوم -

حزن غير محتمل

بقلم : خالد منتصر

ما إن حررت الرواية من غلاف السيلوفان وتابعت سطورها الأولى التى تقول:

«فى مدينة «أ»، انتحرت ليلة السبت الماضى ربة منزلٍ تبلغ من العمر واحداً وخمسين عاماً بعد أن تناولت جرعةً زائدةً من الحبوب المنومة»، والآن، مرت ستة أسابيع منذ أن ماتت أمى، وأنا أريد أن أبدأ العمل قبل أن يتحول الاحتياج إلى الكتابة عنها، الذى شعرت به بقوةٍ يوم دفنها، إلى عجزٍ متبلِّدٍ عن الكلام. وقد كان هذا العجز هو ما استقبلت به خبر انتحارها. نعم، البدء فى العمل، لأن الاحتياج لأن أكتب شيئاً عن أمى، حتى ولو كنت أشعر به فى بعض الأحيان مفاجئاً ودون مقدمات، إلا أنه فى الوقت نفسه رغبةٌ غير محددةٍ تحتاج إلى أن أبذل كل طاقتى فى العمل حتى لا أدق على الآلة الكاتبة دائماً، وأكتب الحرف نفسه على الورقة. هذا العلاج الحركى وحده لن يفيدنى، سوف يجعلنى فقط أكثر سلبيةً وأكثر تبلداً. يمكننى أن أسافر أيضاً، ففى السفر، أثناء الرحلة، لن يثير أعصابى شرود ذهنى المضطرب وتكاسلى».

ما إن فعلت هذا حتى ظللت أقرأ الرواية حتى التهمتها فى جلسة واحدة بدون توقف، «حزن غير محتمل» للروائى النمساوى بيتر هاندكه الحاصل على جائزة نوبل ٢٠١٩، عمل فنى تصنيفه صعب، ووضعه فى إطار أدبى سابق التجهيز أمر يكاد يكون مستحيلاً، فهو ليس رواية بالمعنى المفهوم الذى تعودنا عليه، لكنه سيرة أم الروائى نفسه كتبها هاندكه بعد انتحارها بأسابيع، لكنها ليست سيرة تقليدية ببداية ووسط ونهاية وسرد تصاعدى كلاسيكى، لكنها صراع الروائى نفسه مع اللغة التى سيكتب بها ويعبر عن مشاعره تجاه الأم نفسها وتجاه الأدب والفن عموماً، دهشة القارئ ستأتى من أنه سيكتشف أنه فى النمسا كان يوجد فقر فى مناطق الريف هناك، والأم عاشت طفولتها مع جدة فى تلك الظروف قبل الحرب العالمية الثانية، سرد هاندكه لرحلة الأم سرد بديع، والتقاطه للتفاصيل ينم عن عين ذكية وفضولية بامتياز، والده لم تتزوجه، ومن عاشت معه بعد ذلك ليس والده، حكاياته عن زوج الأم السكير وعلاقته المرتبكة بالأم من أقوى مناطق الكتاب، تحولات الأم من الخجل والتشرنق، إلى السخرية والاقتحام، بدايات تدهور الذاكرة وشعور الوحدة فى النصف الثانى من الكتاب من أروع ما قرأت عن خرف الشيخوخة، ثم انتحارها فى النهاية بمائة قرص منوم، ثم وصفه المباغت المدهش الصادم لذلك الانتحار بأنه فخور به، يجعلك كقارئ تصنع المسافة التى كان يريدها الكاتب ونجح فيها، مسافة الحياد بينك وبين العمل برغم شحنة العاطفة الموجودة فى القصة أو السيرة، كتاب لا بد من قراءته على عدة مستويات، نص بديع لكاتب مدهش، الكتاب صادر عن دار العربى للنشر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حزن غير محتمل حزن غير محتمل



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 07:23 2018 الأربعاء ,24 تشرين الأول / أكتوبر

العثماني يستدعي النقابات لتوقيع اتفاق جديد

GMT 19:54 2018 الأحد ,30 أيلول / سبتمبر

الأمن يوقف جانحين روعوا عين هارون بفاس

GMT 15:51 2018 الأربعاء ,14 آذار/ مارس

العربي القطري يتوج بكأس السوبر لكرة اليد

GMT 22:13 2018 الجمعة ,10 آب / أغسطس

إصابة مواطن إثر حادث سير خطير في وجدة

GMT 20:58 2018 السبت ,16 حزيران / يونيو

اغتصاب موظفة بطريقة وحشية في مدينة القنيطرة

GMT 04:16 2018 الأربعاء ,11 إبريل / نيسان

"ميزون ألكساندرين" تطلق مجموعتها الجديدة المميزة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya