كل الشهور يوليو

كل الشهور يوليو

المغرب اليوم -

كل الشهور يوليو

بقلم : خالد منتصر

معظمنا يقرأ تاريخ قطع «الميكانو» أو «البازل»، قراءة دليل التليفونات الرتيبة المملة، قطع متناثرة من الأحداث هنا وهناك، ونتف أزمنة قافزة ومتجاوزة وراكبة على بعضها البعض، تاريخ أصم أبكم لا يتفاعل مع قارئه، الذى غالباً هو ساعى بريد لتلك المعلومات المشتتة، مجرد مستهلك أكول ملتهم فقد حاسة التذوق، لكن قراءة التاريخ الحقيقية هى القراءة التحليلية التى تعيد ترتيب وربط الأحداث وقراءة ما خلف السطور وما أخفته عقارب الساعة ونفوس الساسة ودسائس سماسرة الثورات، وهذا ما فعله الكاتب الصحفى الفنان إبراهيم عيسى فى روايته الأخيرة «كل الشهور يوليو»، وهو قد صعد بالقراءة التحليلية درجة أعلى فى سلم رصد التاريخ، وهى القراءة الفنية الروائية للتاريخ، التى يختبئ فيها المؤرخ خلف صياغة الأحداث المثيرة، ولكنه الاختفاء الحاضر بقوة، الذى يعلن عن نفسه من خلال حس ونفس الصحفى المحترف، الذى يقدم لك الوجبة التاريخية بكل توابل مذاقها الذى لا بد أن يحمل وجهة نظره ونكهة طعمه، لعبة «استغماية» ذكية من إبراهيم عيسى، استطاع من خلالها تجنب حمم الاحتقان التى تخرج من بركان مناقشات تلك الفترة ما بين الناصرى والوفدى والشيوعى والإخوانى والملكى والجمهورى.. إلخ، وأظنه برغم ذلك لن يسلم من تلك الحمم والنيران الصديقة، التى دائماً ما تنتهى بالخصام والعداء، كل حياتنا السياسية هى يوليو مزمن، يلتقط إبراهيم بكاميرا دقيقة بل بجهاز رنين مغناطيسى مكمن الداء فى أحشاء ممارساتنا السياسية، التى كانت ثورة يوليو أحد أعراضها وتجلياتها وليست العرض أو التجلى الوحيد، يبدأ عيسى الرواية بمشهد سريالى أقرب إلى مسرح العبث، وهو مشهد خروج يوسف صديق قبل الميعاد بلا خطة مسبقة أو ترتيب دقيق، وينجح الانقلاب الذى يتحول إلى حركة ثم إلى ثورة، تستمر الرواية فى هذا الجو بأطيافه وتنويعاته المختلفة، أحياناً طيف تراجيدى يقترب من الأفلام الهندية، وأحياناً طيف كوميدى يقترب من إسماعيل يس!! تنويعة هى ضربات القدر، وتنويعة هى مونولوجات شكوكو! يستفزك إبراهيم عيسى طوال الرواية بأسئلته وترتيبه المقصود المتعمد الفنى لقطع البازل التاريخية، أسئلة عن علاقة الأمريكان بالثورة، وعن علاقة الإخوان بها، وعن صراعات الأحزاب الصغيرة مع الوفد، عن ترزية القوانين، عن كواليس صحافة الفضائح وحملة المباخر، عن غياب التخطيط وسياسة رد الفعل، عن روح البراءة والحماس فى البعض وعن التهور والخبث فى البعض الآخر، عن سياسة الشيطنة التى تدفن الموضوعية فى مقابر الصدقة وتجعل من كتابة التاريخ «ردح حوارى» أحياناً وشجارات قرن غزال أحياناً أخرى، عن إعدام خميس والبقرى والعفو عن قتلة الخازندار، عن السودان وهل كان التنازل عنها حكمة وطنية أم نقمة وسذاجة سياسية؟! عن تعريف النقاء الثورى وهل من المسموح أن يدهس ويسحق هذا النقاء قيماً أخرى؟ عن «الستريوتيب» ومفاهيم الباشا مصاص الدماء والملك الدونجوان والإخوانى المؤمن والشيوعى المارق.. إلخ، مهما كان رأيك واتجاهك السياسى يكفى أن تخرج من تلك الرواية الجميلة اللاهثة الذكية بأن الحقيقة شىء مختلف تماماً عن رأى الأغلبية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كل الشهور يوليو كل الشهور يوليو



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 21:49 2019 الثلاثاء ,05 آذار/ مارس

وفاة والد خالد بوطيب مهاجم الزمالك

GMT 03:17 2018 السبت ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أهم المعالم السياحية في "مانيلا" عاصمة الفيلبيين

GMT 23:36 2018 الثلاثاء ,02 كانون الثاني / يناير

"بوضوح" يستضيف "شارموفرز" و"منيب باند" في حوار فني ممتع

GMT 01:18 2014 الجمعة ,18 إبريل / نيسان

"فسيفساء الرُّكام" ابتكار مصري

GMT 04:15 2014 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تعرّفي على "الزومبا" رقص رياضي

GMT 13:54 2019 الأحد ,21 إبريل / نيسان

لوحة ألوان طلاء الأظافر لربيع وصيف 2019
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
Libya Today News
Libya Today
Salah Eldain Street
Hay Al-Zouhour
Tripoli
Tripoli, Tripoli District, 218 Libya