بقلم : خالد منتصر
«اخترت يوم الهول يوم وداع»، ليس أنسب من هذا البيت الذى قاله أمير الشعراء أحمد شوقى فى رثاء مصطفى لطفى المنفلوطى للتعبير عن رحيل رائد التحليل النفسى د. مصطفى صفوان.. مصطفى الأول غطت على أنباء رحيله الرصاصات التى أُطلقت على الزعيم سعد زغلول، فكانت الحصيلة جنازة مكونة من خمسة أشخاص فقط!! أما مصطفى الثانى فقد غطت على أنباء رحيله صناديق انتخابات مرتضى منصور!! فكانت النتيجة صمتاً ونسياناً وإهمالاً تاماً لهذا العبقرى الذى كان سيحتفل ببلوغ عامه المائة فى ٢٠٢١، فهو من آخر العقول التى ساهمت فى إثراء حياتنا الثقافية والفكرية والعلمية من أبناء جيل العشرينات من القرن الماضى، والذين لم يبقَ منهم إلا د.مراد وهبة متعه الله بالصحة والعافية ودوام الإنتاج والكتابة، ثمار ثورة ١٩١٩ تركت بصماتها على تلك الشخصيات التى لن تتكرر، كان آخر الراحلين الذين أتذكرهم من أبناء ذلك الجيل والذين رحلوا منذ مدة قريبة، محمد حسنين هيكل رائد الصحافة، ود. محمد عبدالوهاب رائد علم الأشعة. ورغم أن د. صفوان قد ترك مصر إلى فرنسا منذ أكثر من ستين عاماً فقد ظل مهموماً بمشكلاتها وقضاياها، ساكنة بداخله، بعقله وروحه، حتى وإن هجرها بالجسد، برغم وصوله إلى هذه السن، فقد كان حاضر الذهن متوقد العقل متجدد الفكر أكثر من شباب العشرينات، وكانت له آراء متمردة صادمة تتجاوز ثورات الشباب والنخبة العربية بكثير، وبجانب كتبه المهمة فى التحليل النفسى والتى تُعتبر مراجع عالمية فى هذا المجال، فهناك كتاب أنصح الجميع بأن يقرأوه وهو «لماذا العرب ليسوا أحراراً؟»، سيجدون فيه خارطة طريق جديدة للتعامل مع الدين ومع اللغة ومع فكرة الثورة ذاتها، وها هى بعض الاقتباسات لفتح شهية القراء لكى يقرأوا مصطفى صفوان الذى لا يلمس سطح الأشياء والأفكار وإنما ينفذ إلى الجذور:
لا توجد الوحدة التى يمكن إنجازها فى المجتمع الإنسانى بنحو طبيعى، بل يتعين علينا خلقها من خلال الخطاب والاختيار.
المستبدون يصنعون الشعوب على صورتهم.
إن هذا الخوف الدفين من الشعوب لهو «أخبث رذائل النفس» كما يقول بولجاكوف.
لا يمكن لأى ثقافة أن تنمو من دون تواصل مع ثقافات أخرى، والتواصل يعنى الترجمة. عدد الكتب المترجمة إلى العربية كل عام يُعدّ بالمئات، بينما الترجمة إلى البولونية أو اليابانية تُعد بالآلاف.
لا يوجد أى مجتمع إنسانى لا يحمل فى تكوينه بذور الفُرقة، أى إمكان حرب أهلية.
ليس هناك من لغة سوقية ولغة نبيلة، فالفصاحة والسوقية كلاهما ممكن فى كل اللغات.
يبدأ المستعمر، منذ اللحظة التى يحتل فيها دولة أجنبية، بتبخيس لغة السكان الأصليين كى يدفعهم إلى تبخيس أنفسهم، ويمتنعون بالتالى عن التفكير فى الحرية التى لا يستحقونها والتى لا تلائمهم.
كان الناس يُجمعون لبناء الأهرام والمدافن والمعابد والقصور والنصب التذكارية، ولكن لم يكن يُسمح لهم أبداً بالترابط بغية تحقيق هدف مشترك يختارونه بأنفسهم.
حتى إن المرء قد يشك فى أن يكون تعبير «إن شاء الله» الذى نستخدمه عند كل اتفاق أو وعد لا يصدر عن إيمان حق، وإنما يُستخدم تجنباً لما تفرضه المسئولية القاطعة عما يُتفق عليه