هل اختفت النكتة

هل اختفت النكتة؟

المغرب اليوم -

هل اختفت النكتة

بقلم : خالد منتصر

النكتة مختلفة عن الردح، النكتة فن والردح بلطجة، وللأسف كثير منا يفهم فى تلك الأيام النكتة ويتعامل معها على أنها نوع من الردح والشتيمة والتنمر، لذلك عندما أسأل عن اختفاء النكتة، فأنا أسأل من موقف انزعاج، لأن اختفاءها يعنى انسداداً لشرايين البهجة فى الجهاز الدورى للعقل المصرى، لذلك فتش عن النكتة، هى مفتاحى السحرى وكلمة السر وحل اللغز، هى أنجح محاولة لرسم بورتريه للوطن، فليس أفضل من النكتة كريشة سحرية ترسم اللوحة بلا رتوش وبألوان هى كألوان معابد الفراعنة لا تبهت لأنها ضد الزمن، وبعيداً عن علوم الاجتماع والأنثروبولوجى ومجاملات الحكام والسلاطين والمكاتبات الرسمية وبلاغة الأقوال وزخرفة الكلمات والتنميق والتزويق، «فتش عن النكتة» وابحث فى مدلولاتها ومعانيها المختفية والمضمرة فهى ثقافة الشعوب الشفهية التى تكشف المستور، وتبوح بما تخفيه الأعراف والتقاليد وألاعيب السياسة وكبت الجنس وحتى بما تقننه وتستره طقوس وتعاليم الدين، فهى الدستور غير المكتوب والأدب الذى يتعالى عليه النقاد.

النكتة كالعشق تستعصى على التعريف وتتحدى التصنيف والقياسات والمعادلات الرياضية، إنها الفن المجانى الذى يمارسه الفقراء، وحفلة الزار الجماعية التى تقيمها الشعوب المقهورة، وبرغم أن الفقراء والمقهورين ليسوا أصحاب التوكيل الوحيد لقطع غيار النكت، فإننا نستطيع أن نقول إنهم أصحاب وملاك الصناعة الأصلية، فالنكتة المغموسة فى ملح الفقر والقهر هى الوجبة الأساسية، أما عند أهل الشمال والراحة فهى مجرد «أبراتيف» أو فاتح شهية، هى عندنا صراخ وعندهم همس، هى عندنا ضرورة وعندهم ترف، ونكتتنا حراقة بالفلفل والشطة والحواوشى، ونكتتهم باردة بالكاتشاب والمواد الحافظة والمايونيز.

أكبر مشكلة عند من يمارسون التنكيت فى مصر والتى لا توجد فى بلاد الفرنجة هى أن الواقع المصرى كوميدى جداً أكثر من قدرة أى نكتة شعبية، والحياة المصرية فى حد ذاتها نكتة تتجاوز طاقة أى نكتة مخترعة، ولذلك فصناعة النكتة المصرية صعبة بل وفى بعض الأحيان مستحيلة، وازدادت الصعوبة أكثر حين قل التواصل أو انعدم بين أفراد المحروسة الذين أصبحوا جزراً منعزلة، وبما أن النكتة يتم طبخها فى أفران جماعية لتستوى على مهل وبعدها تنتشر بسرعة الضوء، فإن الخرس الاجتماعى يقتلها والتواصل الحميم ينعشها ويرويها بدليل أن أغلبية النكت تولد وتنتشر عبر المقاهى والأندية والغرز والفصول الدراسية.. إلخ، وكان دخول الإنترنت أكبر ثورة فى عالم التواصل الإنسانى الذى بلا حدود، وأصبح من الممكن أن تتواصل مع العالم كله وليس مع أفراد مجتمعك فقط، ومع الإنترنت عادت النكتة لتزدهر من جديد وانتعشت الذاكرة الجماعية المصرية التى تطبخ النكتة ولكن هذه المرة تم الطبخ والتقديم بل والأكل بواسطة جيل مختلف يتقن لغة الكمبيوتر ويتواصل بالإنترنت، ولم تكن لنكاته وسخريته مذاق مختلف فقط بل للغته أيضاً المذاق نفسه، عبر الإنترنت ستفهم النكتة الجديدة والأهم أنك ستفهم الجيل الجديد نفسه، فالجيل الجديد أو ما يطلق عليه الجيل الروش يحتاج إلى الفهم قبل الإدانة، وفك الشفرة قبل وضع كلمة السر، والحب قبل التربص، فهذا الجيل لن يستطيع ناقدوه إلغاءه من الوجود، ولن يتمكن مهاجموه من تغييره بولادة قيصرية جديدة ووضعه فى حضانة أعرافنا وتقاليدنا وتوصيله بخراطيم أكسجين الانضباط الأسرى والاجتماعى القديم ولكن أقصى ما يستطيع تقديمه أهل الخبرة، كما يسمون أنفسهم، هو الإنصات للفهم والمعرفة وليس التنصت للمصادرة والتحرى، وتعريف الخبرة هو أنها المشط الذى تمنحه الحياة للأصلع بعد فوات الأوان!، وأعتقد أن الجيل الروش يحتاج إلى الشعر قبل المشط، والحياة قبل النصائح، والتجربة قبل التعالى على أو الخوف من التجربة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل اختفت النكتة هل اختفت النكتة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya