طفولة بلا وسادة

طفولة بلا وسادة

المغرب اليوم -

طفولة بلا وسادة

سمير عطا الله
بقلم: سمير عطا الله

عندما أُعلنت ولادة الطفل رقم مائة مليون في مصر، لا أدري أبداً لماذا أخذتني ذاكرتي إلى طه حسين. فأنا لا أحتاج إلى مناسبة أو حدث كي أتذكّره. وأعود دائماً إلى ما كتب، أو إلى ما كُتب عنه، متحيّراً إلى اليوم إن كان الإعجاب به إعجاباً مجرّداً بنتاجه الأدبي الفائق، وهي الصفة التي كان يحبّ استخدامها في أقصى المديح، أم لأنّ الشخصية، صاحبة ذلك النتاج، كانت حياة درامية مذهلة في البؤس والكفاح والصمود والعطاء. لم يسمح طه حسين لأحد بأن يشفق عليه. فقد تحدّى الضرير إصابته، وطلب من العلم ما لم ينهله بصير. ولم يتوقّف في الأزهر أو في مصر، بل ذهب إلى فرنسا متّكئاً على عبقريته وإرادته، طالباً المزيد ثم المزيد، إلى أن عاد ومعه تلك الدكتوراه التي سوف تسبغ عليه لقب عميد الأدب العربي.
ترك لنا صاحب «حديث الأربعاء» مجموعة متنوّعة من الأعمال، كان بين أجملها رواية «دعاء الكروان»، ذلك الطائر الذي أحبّه الأعمى الصغير، وشعر بفرح نادر وهو يصغي إلى تغريده، وينام على ألحانه من دون وسادة، لأنّ شقيقه البكر قد انتزع الوسادة من تحت رأسه.
كان طه سابع ثلاثة عشر من أبناء أبيه، وخامس أحد عشر من أشقّائه. في هذه العائلة الضخمة، كان الجميع أصحّاء إلا هو فضرير فقد نظره عندما أُصيب برمد العينين، فجيء إليه بحلّاق القرية يعالجه، فكان أن أعماه. بدل أن يُحاط الطفل الضرير بالرفق والحنان، أحيط بالقسوة من أبيه، وبالقسوة من الأمّ، وبالازدراء من الإخوة جميعاً. وسوف يقول لزوجته بحزن: «كنت أقلّ الجميع اعتباراً في نظر أسرتي، كنت مهمَلاً محتقراً». وحتى في المدرسة الأزهرية، تعرّض الفتى للاضطهاد، فكان الشيوخ يخاطبونه بمثل «أقبِل يا أعمى» و«انصرف يا أعمى» و«اسكت يا أعمى»، كما روى لنا في تحفته «الأيام». ولعلّه قصد بهذا العنوان ما تقوله العرب في «الأيام»، في معنى الوقائع والحروب. فحياة الفتى لم تكن أقلّ على الإطلاق.
بدأت بالقول إنّني تذكّرت طه حسين، وتلك الأسرة الكبيرة الضخمة، والفقر الذي تعيش فيه. ومن بين هذا العدد، برز فائق واحد تجاوز حياة العوَز والعذاب والقهر، وأولئك الذين كانوا ينادونه «أقبِل يا أعمى». هل تجوز العائلات الضخمة في مثل هذا الفقر الكبير؟ ألا يجعل الفقر الأبّ والأمّ أقلّ رحمة بهذه الكثرة من الأبناء؟ فقط في هذا الإطار نظرت إلى المولود رقم مائة مليون في مصر. إنّها لا تحتاج إلى أشقياء وفقراء ومواليد لا مستقبل لهم، ولا عمل، ولا حياة كفيّة. وقد فاض فيها عدد «أطفال الشوارع» الذين يولدون ويعيشون ويموتون من دون أن يعرفوا ما الحياة الطبيعية.
لقد حرمت كثرة الإخوة الطفل طه حسين من وسادة يسند رأسه إليها، أو بالأحرى أقلّ من وسادة، فقد كان يسمّيها «حشية».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طفولة بلا وسادة طفولة بلا وسادة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya