المؤامرة وبنبركة وأوفقير

المؤامرة وبنبركة وأوفقير

المغرب اليوم -

المؤامرة وبنبركة وأوفقير

عبد الحق بلشكر
بقلم: عبد الحق بلشكر

كانت جلسة استماع مطولة ومثيرة تلك التي تحدث فيها حميد برادة، مساء السبت 21 دجنبر، في مدينة تاونات، بدعوة من جريدة «صدى تاونات»، بمناسبة احتفائها بالذكرى الـ25 لتأسيسها. طيلة أكثر من ساعتين، كان الحاضرون يستمعون بإمعان وكأن على رؤوسهم الطير. ماذا سيقول هذا الرجل الذي لم يسبق أن تحدث علانية عن سيرته؟

عاش برادة مسارا متقلبا بدأه ثوريا في شبابه، عندما كان رئيسا للاتحاد الوطني لطلبة المغرب في 1963، ثم محكوما عليه بالإعدام بسبب تصريحاته المؤيدة للجزائر في حرب الرمال، ثم تحول في باريس إلى صحافي مثير للجدل، وبسببه منعت المجلة التي يعمل فيها من دخول المغرب، قبل أن يتحول إلى عدو للجزائر بسبب مقالاته المدافعة عن الصحراء، ثم أصبح أول وآخر صحافي مغربي يجرى حوارا متلفزا مع الراحل الحسن الثاني في قصر الصخيرات، لفائدة تلفزيون كندي. تحدث برادة عن العديد من الأحداث المثيرة التي عاشها، لكن ما أثار الاهتمام أكثر موضوعان؛ الأول يجيب عن سؤال حقيقة المؤامرات التي تورط فيها التنظيم السري التابع للاتحاد الوطني للقوات الشعبية ضد النظام، والتي أدت إلى اعتقالات 1963، والثاني علاقة المهدي بنبركة بالجنرال أوفقير. بخصوص المؤامرة، يؤكد برادة، عكس كثير من قيادات الاتحاد الذين لايزال بعضهم على قيد الحياة، أنها «حقيقة».

يقول برادة إنه بعد إعفاء حكومة عبد الله إبراهيم، ورفض القصر تشكيل لجنة تأسيسية لصياغة الدستور، والاكتفاء بـ«دستور ممنوح»، بدأ نقاش داخل قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية حول الحلول البديلة لإسقاط النظام، فعقد اجتماع حضره الفقيه البصري، وعبد الفتاح سباطة، وحسن لعرج، وآخرون، جرى فيه الاتفاق على «التفكير» في عمل سري ضد النظام. لكن الفقيه البصري كان مستعجلا كعادته، كما يقول برادة، فبدأ التنفيذ. وهنا ذكر عمليتين جرى إحباطهما. تمثلت العملية الأولى في محاولة الحصول على السلاح من القاعدة الأمريكية في القنيطرة، وفعلا، جُهِّزت أربع شاحنات محملة بالسلاح لإخراجها من القاعدة، بتنسيق مع جنود أمريكيين، لكن تبين أن الشاحنات كانت كلها معطلة، أي أن العملية كشفت، وجرى اعتقال المتورطين، وتبين أن من يقف وراءها هو الفقيه البصري، وبسببها اعتقل وحكم عليه بالإعدام، قبل الإفراج عنه في 1965 إثر أحداث مارس، فجرى تهريبه إلى الجزائر سنة 1966.

أما العملية الثانية، فكانت ستنفذ خلال استعراض عسكري للجيش الملكي في مراكش، من خلال وضع قنبلة قرب المنصة التي كان سيجلس فيها الملك الحسن الثاني، وكانت الخطة تقوم على قيام أحد أفراد التنظيم السري، ويدعى «أطلس»، بجلب القنبلة على متن دراجة هوائية، في ساعة مبكرة ليسلمها إلى شخص آخر سيضعها قرب المنصة، قبل بدء الاستعراض. لكن صاحب الدراجة أوقِف صدفة من لدن شرطي لأنه كان يقود ليلا دون إنارة، وخلال فحص روتيني لحقيبة كان يحملها، عُثر على القنبلة، فجرى اعتقاله، وكشفت المؤامرة. يقول برادة إن من خطط لهذه العملية في بداية الستينات هو محمد بنسعيد آيت يدر، وإن النظام استغل هذه الأحداث لتنفيذ عمليات اعتقال كبيرة مست أعضاء التنظيم السياسي أساسا، أما التنظيم السري، فلم يجرِ التوصل إليه.

تتعلق النقطة الثانية المثيرة باحتمال وجود علاقة تقارب بين المهدي بنبركة والجنرال أوفقير. وهنا قدم حميد برادة ثلاث وقائع، أولاها، أن آخر من تحدث مع المهدي، عندما كان في جنيف قبيل سفره إلى باريس سنة 1965 حيث اختطف، هو القيادي الجزائري الأخضر الإبراهيمي، وكان حينها سفيرا لبلده في القاهرة. ويروي برادة أن الإبراهيمي أخبره بما دار من حديث مع المهدي، فقد سأله عن سبب استعداده للسفر إلى باريس رغم أنها غير آمنة و«تعج بالبوليس المغربي»، فكان رد المهدي، الذي كان ينوي تصوير فيلم عن مؤتمر القارات الثلاث، بالقول: «لدي موعد مع الجنرال». هل المقصود الجنرال دوغول، أم الجنرال أوفقير؟ يعتقد برادة أن الموعد كان مع أوفقير.

تتعلق الواقعة الثانية، التي تعزز هذه الفرضية، بالتطور الذي وقع بعد أحداث مارس 1965، حين دعا الحسن الثاني، قيادة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، إلى تشكيل الحكومة، فرفض عبد الرحيم بوعبيد، متشبثا بلجنة تأسيسية لصياغة الدستور، لكن بنبركة أيد المشاركة في الحكومة، وتبين أنه أعد لائحة أعضاء تلك الحكومة مكتوبة بخط يده، وفيها وضع اسم محمد أوفقير وزيرا للداخلية. اللائحة التي تحدث عنها برادة، يقول إن من كشفها هو عبد القادر، شقيق المهدي، مكتوبة بخط يده.

أما الواقعة الثالثة، فيشير فيها برادة إلى أن علاقة المهدي بأوفقير قديمة وتعود إلى فترة الاستعمار، حين كان المهدي منفيا في سجن في الجنوب المغربي، وكان يحرسه ضابط فرنسي، فنشأت بينهما علاقة صداقة، ومرة قال الضابط للمهدي: «أنت مغربي يكره فرنسا.. سوف أعرفك على ضابط مغربي يحب فرنسا»، فعرفه على أوفقير للمرة الأولى، ونتيجة لهذه العلاقة التي نشأت بينهما -يقول برادة- اقترح المهدي على محمد الخامس تعيين محمد أوفقير مديرا عاما للأمن الوطني خلفا لمحمد الغزاوي.

هذه المعلومة الأخيرة يقول برادة إنه سمعها شخصيا من عبد الرحيم بوعبيد. وروى برادة أنه شخصيا كان يشعر بأن أوفقير يعد أمرا ما. فعندما كان هاربا في الجزائر، وقع انقلاب نفذه بنبلة سنة 1965، فأتى عنده محمد اليازغي ليخبره بحصول انقلاب، فخرج مسرعا من بيته، معتقدا أن الانقلاب وقع في المغرب، قائلا: «اعتقدت أن أوفقير نفذ انقلابا في المغرب، قبل أن أعرف أن الانقلاب حصل في الجزائر».

يقول برادة إنه يروي كل هذه الوقائع من أجل التاريخ، فهو لا يتهم أحدا، ويعتبر أن بنبركة كان ضحية مؤامرة، ويحرص على أن يقول: «لدي وقائع مؤكدة، لكني لست على يقين»، داعيا اليسار إلى الاعتراف بأنه كانت هناك مؤامرات. ويحكي برادة أنه عندما توفي الحسن الثاني، دعي إلى الحديث في قناة فرنسية، وكان متأثرا، فسأله المذيع: «لماذا أنت متأثر بوفاة ديكتاتور؟»، فرد عليه: «لم يكن الحسن الثاني ديكتاتورا، لكننا سعينا إلى ضربه فضربنا».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المؤامرة وبنبركة وأوفقير المؤامرة وبنبركة وأوفقير



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya