هل يفعلها العراقي برهم صالح

هل يفعلها العراقي برهم صالح

المغرب اليوم -

هل يفعلها العراقي برهم صالح

د.ماجد السامرائي
بقلم: د.ماجد السامرائي

لم يعد الرئيس برهم صالح قادرا على التمسك بالمجاملات البروتوكولية بعد أن وضعه وكلاء طهران في خانة الأعداء في مرحلة عراقية دقيقة تتطلب التلاحم مع المنتفضين الذين أعطوا الثقة بدوره الذي وجد في نفسه القدرة على أدائه.

الخطوة التي اتخذها الرئيس العراقي برهم صالح تضعه أمام خيارين كلاهما صعب؛ إما الرجوع إلى خانة الطبقة السياسية التي تحاول قوى إيران التحكم فيها، والتي رفضتها ثورة أكتوبر، وإما مواصلة موقفه الذي أوصله إلى الجمهور المنتفض برفضه الإملاءات الخارجية وبذلك يدخل أبواب التاريخ العراقي التي أوصدت منذ عام 2003 أمام السياسيين الذين اختاروا الولاء للأجنبي والنهب مسلكا لهم، في ظل ظرف استثنائي يمر به هذا البلد يحتاج إلى قادة سياسيين شجعان للوقوف بوجه الاحتلال الإيراني وأذرعه الميليشيوية صاحبة سلوك الإجرام بالقنص والاختطاف والمستوى المنحدر في التعاطي السياسي.

كان من الطبيعي أن تصل العلاقة بين شعب العراق والطبقة الحاكمة إلى لحظة الافتراق، ثم التحول إلى مواجهة هؤلاء الحكام بقوة الإرادة وبالوسائل السلمية بعد سنوات من الإحباط واليأس، ثم مقاطعة الانتخابات التي ظلت الماكنة المزورة لأصوات الشعب. فحصلت الاحتجاجات الشعبية منذ عام 2011 التي استخف بها الحكام، وكان رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، هو الأكثر جرأة من بينهم على توصيف الصراع والمعركة مع قطاع كبير من الشعب طائفيا، بكونها معركة “معسكر الحسين ضد معسكر يزيد” لتتم تصفية خيرة شباب العراق تحت راية هذا الشعار المتخلف.

الصدمة الأولى التي واجهت هذه الطبقة الحاكمة كانت عبر الاحتجاجات الموسمية في محافظات وسط وجنوبي العراق فأخمدتها، وقبلها قُمعت احتجاجات المحافظات العربية السنية تحت ذرائع طائفية. اعتقدت تلك الأحزاب أنها محمية باعتمادها على الميليشيات المسلحة والتي طورت إيران إمكانياتها بعد نهاية الحرب على تنظيم داعش لتتحول إلى قوى سياسية نافذة في البرلمان. وتوسعت هذه الصدمة في انتفاضة شباب العراق وسط وجنوبي العراق في الأول من أكتوبر 2019 التي أسست عهدا جديدا في العراق.

المأزق الذي تواجهه الطبقة السياسية الحاكمة حاليا، خصوصا المتنفذة داخلها والتي أعلنت ولاءها لإيران والتزمت بتنفيذ برامجها، لم يحصل بصورة مفاجئة أو نتيجة خلافات سياسية جزئية تتعلق بالخدمات مثلما كانت قبل سنوات، وإنما بعد تجاوز النفوذ الإيراني حدود الاحتلالات التقليدية، إلى سعي محموم وبرنامج خبيث لتغيير هوية العراق وتحويله إلى ولاية تابعة للحاكم الإيراني وإذلال شعبه.

ولهذا أصبح الأول من أكتوبر إعلانا لنهاية عهد هذه القوى والدخول في عهد الثورة الشبابية الجديدة، حيث قدم الشباب المنتفضون أكثر من 22 ألفا ما بين شهيد وجريح، وهذا الثمن الغالي لم يقدم لسواد عيون المرتزقة والعملاء، وإنما لإنهاء عهدهم وإخراجهم من السلطة عبر السبل السلمية، وإن تمكن الدستور من تلبية متطلبات الثائرين وإلّا فإن الشعب هو صاحب الكلمة العليا وهو القادر على صياغة دستور جديد يلبي طموحاته.

فشلت لعبة القوى التابعة لإيران بإقحام مرشح لرئاسة الوزراء بعد أن أسقطته الانتفاضة لسبب يبدو فنيا في قصة “الكتلة الأكبر”، لكن في حقيقة الأمر إن الرئيس برهم صالح قد وقف بوجوههم بعدم تمرير واحد من تلك الأسماء الحزبية والعميلة لإيران، لأن انتفاضة الشباب قد دقت مسامعه ودخلت ضميره، كما وجد نفسه محاصرا في أداء وظيفته الدستورية كحامٍ للشعب وليس لهؤلاء القراصنة وغير المنتمين لبلدهم، وهو الذي لديه سجل سياسي كوطني كردي انتخب أخيرا رئيسا للاتحاد الوطني الكردستاني خلفا لجلال طالباني، إضافة إلى سجله الوظيفي داخل إقليم كردستان حتى قبيل عام 2003. فهو ليس حافيا، كما يقول المثل الشعبي، كالآخرين خريجي الحسينيات في طهران وغيرها أو من المدن الشعبية في الشام وقسم كبير منهم كان يتعاطى قبل 2003 تجارة تهريب وبيع جوازات السفر تحت حماية المخابرات السورية، معللا ذلك بـ”الخدمة الجهادية” التي أخذ يتقاضى عنها رواتب ومناصب عليا في العهد الجديد.

أصبحت الانتفاضة صاحبة القرار السياسي الأول، وقد ضغطت لكي تتكشف الوجوه التي اختبأت لسنوات تحت قناع “الدفاع عن الشيعة”، فقتلت الميليشيات الشباب الشيعيين في بغداد والناصرية وكربلاء والبصرة والنجف والديوانية وبغداد، وما زالت تمارس هذا المسلسل الإجرامي.

تمكنت الانتفاضة من عزل الأحزاب وميليشياتها عن حلفائها في الأحزاب الشيعية الأخرى كتياري مقتدى الصدر والحكيم وحيدر العبادي، فيما ظلت كتل شيعية صغيرة على مواقفها المنافقة رغم موقعها الهامشي في الواقع السياسي العراقي. ولهذا فإن هذه القوى الميليشياوية قدمت وظيفتها القتالية على وظائفها وعناوينها البرلمانية التي لم تستحقها، ولو كان هناك برلمان نزيه لأخرجها من بين صفوفه. وهي لم تعد صاحبة ادّعاء “الكتلة الأكبر” عدديا لأنها غير قادرة على لملمة أطرافها بعد انفضاض عدد كبير من البرلمانيين من القوى السنية والكردية عن تحالفها المشبوه الذي يخشى الاقتراب منه من يريد أن يحتفظ بخطوة إلى الوراء لصالح مستقبله ومصالحه. كما أن فتحها للمعركة الخاسرة ضد الرئيس برهم صالح سيجعل جميع القوى الكردية رغم خلافاتها الداخلية إلى جانبه ضدها.

هناك حقيقة تاريخية تشير إلى أن الشعوب والأمم مهما بلغت من الرقي الديمقراطي، وليست كالديمقراطية المشوهة في العراق، يبقى للقائد الفرد دوره في المنعطفات التاريخية للخروج من الأزمات وصناعة المستقبل. والعراق يمرّ بمأزق وضعته فيه الأحزاب المرتهنة لإيران، وقد توصله إلى الحرب الأهلية، وهنا يبرز دور الرئيس برهم صالح في قدرته على الإمساك بالموقعين الرئاسي والبرلماني في وقت واحد من دون مجاملات لأحد، ويتحمل المسؤولية التاريخية لتحرير العراق من الاختطاف الإيراني، ولم يعد صالح قادرا على التمسك بالمجاملات البروتوكولية بعد أن وضعه وكلاء طهران في خانة الأعداء في مرحلة دقيقة تتطلب التلاحم مع المنتفضين الذين أعطوا الثقة بدوره الذي وجد في نفسه القدرة على أدائه، وبذلك ينبغي عليه ألا يتوقف عند حدود إعلان الموقف السياسي كما ورد في رسالته إلى البرلمان، وهو قادر على مواصلة ومتابعة هذا الموقف الجريء بخطوات هي بيده ويسانده الشارع الملتهب، وكذلك قيادات سياسية وبرلمانيون وصل عددهم إلى 176 برلمانيا في رسالتهم التي أبلغوه فيها موقفهم المساند للانتفاضة التي يتمنى شبابها وكل شعب العراق أن يكون وفيا لعهده وهو قوي بهم، ولا يتمنون له في هذه الفرصة التاريخية موقفا آخر قد يخيّب ظن العراقيين جميعا فيه. فهل يفعلها العراقي الكردي برهم صالح؟

 

قد يهمك ايضا
هل يسمع قادة الأحزاب في بغداد النصيحة
انتفاضة أكتوبر وسلاح الحرب النفسية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يفعلها العراقي برهم صالح هل يفعلها العراقي برهم صالح



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya