عراق العراقيين والعرب لا عراق العجم

عراق العراقيين والعرب... لا عراق العجم

المغرب اليوم -

عراق العراقيين والعرب لا عراق العجم

بقلم : إياد أبو شقرا

«عربية بغداد»... صرخة مجلجلة هزتني بعدما انطلقت من حناجر بعض أبناء العراق وبناته في الانتفاضة الأخيرة على واقع الهيمنة والاستسلام للارتهان.
قد يذهب التفكير فوراً بنفر من الناس إلى «شوفينية» الهوية العربية. وأتفهّم أن لهؤلاء ذكريات وتحفّظات عن مآلات التعصب القومي المُفرط، غير أن ما هو أمامنا الآن واقع أليم يجب على أي إنسان عاقل ليس فقط أن يرفضه، بل أن يسعى أيضاً لتغييره.
وهنا أيضاً قد يواجهني إخوة وأصدقاء يرفضون «التغيير»... ويتذرّعون بركوب جهات معينة موجة التغيير في العالم العربي عام 2011، وإقدامها في غير مكان على حرفها عن مسارها الصحيح. أيضاً، أتفهم ذلك، وأشاركهم رفض استغلال ميل الناس الطبيعي لرفض التسلط وكبت الحريات والفساد... من أجل خدمة «جدول أعمال» آيديولوجي أو ثيولوجي لا علاقة له بمعاناتهم وظلاماتهم.
ردي هو أن «الهوية العربية» لا هي سبّة ولا هي مشكلة إذا ما اتسمت برحابة الصدر، والقبول بالتنوّع، واحترام خصوصيات المكوّنات غير العربية. ولا أحسب أن «التغيير»، بدوره، كارثة إذا حمل إلى السلطة قيادات متسامحة وطموحة وشابة تؤمن بالمؤسسات، وتعطي كل ذي حق حقه، بعيداً عن القوالب وضيق الأفق ومعالجة الأزمات بالمسكّنات وحدها.
في كل دول العالم المتقدمة ثمة تفاهمات عريضة على الهوية، قد تهتز بين الفينة والفينة في ظروف استثنائية كتلك التي نعيشها اليوم، لكنها بصفة عامة موجودة وتشكل «شبكة أمان» لطوائفها وطبقاتها الاجتماعية. كذلك في كل دول العالم المتقدمة، يلعب التغيير السلس عبر تداول السلطة تنفيساً لكل أنواع الاحتقان السياسية والفئوية والمعيشية، وتبديداً لتراكم الخلافات بحيث لا تتحوّل إلى أحقاد دفينة... تتفجّر وتدمّر المجتمع بأسره.
ومن ثم، فإذا كان ثمة تسلط مرفوض، فإن الرد عليه والاستعاضة عنه بتسلطّ مضاد، بل انتقامي حاقد، لا يمكن أن يصحّ، ولا يجوز أن يستمر.
ثمّة من يقول إن «الشخصية العراقية»، المتأثرة ببيئتها المعقدة جغرافياً وديموغرافياً ودينياً وسياسياً، كانت دائماً ميالة إلى العنف والدم. وعبر القرون والعقود، شهدت أرض العراق حروباً وثورات، وتعاقب سلالات حاكمة، ناهيك من ازدهار حركات فكرية وظهور عقائد وتيارات راديكالية... منها ما أخمد وانتهى ومنها ما كمَن بانتظار ظروف مؤاتية تعيده إلى الواجهة.
في هذا السياق، مرّ التنوّع في العراق عبر حقب عديدة، منها ما أتاح فرص التعايش والتلاقح الحضاري والثقافي، ومنها ما كان مجلبة للصدام والإلغاء... وصولاً إلى نهايات القرن الـ20، بل حتى بعد 2003. ولعلنا نتذكر كيف وصف حاكم متعصّب غاشم قبل سنوات قليلة، أهل الموصل، حاضرة التنوع والتعددية، بـ«أبناء يزيد»!
الحقيقة، أنه لا مستقبل للعراق، ولا لأي بلد عربي مجاور، بوجود أولئك الذين يحلّلون لأنفسهم ما يحرّمونه على غيرهم، ويتستّرون بالدين، بل وبالغبن والمظلومية لنهب البلاد والعباد ومراكمة الثروات من شتى ضروب الفساد. ولئن كانت هناك بارقة أمل في الانتفاضة الحالية فهي لكونها أثبتت أنه بعد عقد ونصف العقد من الغلبة المجلوبة بقوة التدخل الخارجي، ما عادت المزايدات المذهبية كافية للتغطية على الفساد وإساءة استخدام السلطة.
ما عاد الاستقواء بالميليشيات الطائفية وفرضها حاكماً فعلياً للبلاد، على نسق «الحرس الثوري» في إيران، كافياً لحماية السالبين والمسلوبات باسم الثأر والمظلومية.
شيعة العراق كانوا وما زالوا، منذ اندلاع الانتفاضة قبل أيام، في قلب هذه الانتفاضة. ولعلهم يعرفون أكثر من غيرهم لماذا تفجّرت، وكيف يعمل التآمر التوسعي الإقليمي على إفقار بلد من أكثر بلدان الشرق الأوسط إمكانات وثروات.
بعد الغزو الأميركي للعراق وإسقاط حكم صدام حسين، حصلت أشياء كثيرة، لكن لا بد من سَوق بضع حقائق لا يجوز أن تغيب عن البال:
أولى هذه الحقائق، أنه على الرغم من خطيئة صدام حسين الكبرى بغزو الكويت، وقفت غالبية الدول العربية - بما فيها دول صديقة للولايات المتحدة - ضد غزو أخرق ومؤذٍ من حيث تداعياته الجيو - سياسية، وخصوصاً أن العراق «بوابة» حدودية للعالم العربي، مفتوحة على قوتين إقليميتين غير عربيتين هما إيران وتركيا.
والحقيقة الثانية، أن لإيران وتركيا أطماعاً ومصالح تاريخية في العراق، لم تنتهِ واقعياً إلا في نهاية الحرب العالمية الأولى، مع هزيمة الدولة العثمانية. ثم إن الطائفتين الدينيتين الأكبر هما الشيعة والسنّة، وهذا الحال يوفّر لـ«جارتي» العراق الكبيرتين الشيعية (إيران) والسنية (تركيا) مبرّراً قوياً للتدخل والتلاعب بالوضع الداخلي للبلاد.
والحقيقة الثالثة، أن في العراق مكوّناً مهماً في شمال البلاد وشمال شرقها هو المكوّن الكردي. ومعلوم أن الأكراد يشكلون نقطة توافق نادر، بل وحيد، بين «الجارتين» اللدودتين. وفي صميم مصلحة كل منهما منع نشوء كيان كردي مستقل، لأنه إذا قام سيهدّد الوحدة الداخلية لكل منهما، لوجود نحو 15 مليون كردي في تركيا و8 ملايين كردي في إيران، بجانب 6 ملايين في العراق نفسه. ولعل العامل الأقوى الذي حال دون تقسيم العراق بعدما أمعنت «إدارة الحكم» الأميركية في تدمير مؤسسات الدولة العراقية - بما فيها الجيش - هو الرفض التركي الشديد أي استقلال للأكراد، لا سيما أنه يهمّش أيضاً الأقلية التركمانية.
الحقيقة الرابعة، أنه على الرغم من شعارات «الموت لأميركا» و«الشيطان الأكبر»، وبمجرد سقوط بغداد في أيدي الأميركيين، طارت القيادات الشيعية العراقية اللاجئة لإيران إلى العاصمة العراقية، وأخذت تتصرف كقوة منتصرة. وبالفعل، خلال فترة قصيرة من قبول واشنطن بواقع «الغالب والمغلوب»، تسلم أتباع إيران السلطة الفعلية في العراق، ثم زاد الطين بلة تسليم باراك أوباما، ليس العراق وحده، بل سوريا ولبنان واليمن أيضاً، لملالي إيران عبر صفقة اتفاق نووي يركز على التقنيات ويترك لطهران حرية التوسّع والهيمنة بلا حسيب أو رقيب.
بناءً عليه، انتفاضة العراق عراقية أولاً وأخيراً، وهكذا يجب أن تكون. وهي ضرورية لوقف الانهيار الإقليمي الكبير الممتد حتى المتوسط والبحر الأحمر... سواء في غفلة عن «الكبار» أو بتواطئهم!

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عراق العراقيين والعرب لا عراق العجم عراق العراقيين والعرب لا عراق العجم



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya