لماذا يستوقفنا عدم الردّ الإيرانيّ

لماذا يستوقفنا عدم الردّ الإيرانيّ؟

المغرب اليوم -

لماذا يستوقفنا عدم الردّ الإيرانيّ

بقلم : حازم صاغية

كان متوقّعاً أن تنفجر التعليقات، في الصحف ومواقع التواصل، على عدم الردّ الإيراني بعد مصرع فخري زاده الذي سبقه مصرع سليماني. هذا الانفجار ليس سببه الأوحد الشماتة بالنظام الإيرانيّ. فوضعيّة إيران الحاليّة قد لا تكون مسبوقة في التاريخ، وإذا وُجد مثيل لها فهو نادر. ضربة بعد ضربة، وإهانة بعد إهانة، في سوريّا والعراق ولبنان، وفي إيران نفسها، وما من ردّ على المُتّهَمين بالضربات. فليُقتل من يقتل والردّ الوحيد سيبقى هو نفسه: تصعيد الشتائم والتهديدات.

جمال عبد الناصر، مثلاً، حاول أن يردّ على هزيمة 1967 المذلّة بحرب الاستنزاف. حتّى حافظ الأسد، صاحب «اختيار الزمان والمكان المناسبين»، خاض حرب تشرين وراودته للحظة فكرة التصدّي الجوّي للإسرائيليين لدى غزوهم لبنان.

السلطة الإيرانيّة ليست في هذا الوارد. وإذا وضعنا جانباً الشتائم، أوحى سلوك طهران كأنّ الإهانات والضربات من طبيعة الأشياء: مثلاً، لم يستقل مسؤول رسمي بسببها. لم ينتحر ضابط أو رجل أمن لأنّه قصّر في مواجهتها. إسماعيل قاآني، قائد «فيلق القدس»، استعار كلماته من حروب القبائل: إنّ «مرتكب العمليّة لا يمتلك القدرة على خوض الحرب كالرجال وجهاً لوجه». اللغة لم تعد تعني شيئاً. «الصبر الاستراتيجيّ» هو وحده مفتاح الفرج.

لكنّنا لا نتحدّث عن نظام معروف بالصبر، ولا بحبّ السلم، أو بآيديولوجيّة تعطي الأولويّة للهدوء والاستقرار بهدف التركيز على إنجاح برامج للتنمية. فهو نظام مقاتل بطبيعته، لا يرى العالم إلا مسرحاً للعداوة، ولا ينشر من الأفكار إلا ما يحضّ على المواجهات مع «الشياطين». فوق هذا، هو لا يكفّ عن الدعوة إلى «تدمير إسرائيل».

حتّى ثقافيّاً: منذ قيام ثورة 1979 ظهرت آلاف المقالات والدراسات التي أكّدت أنّ الخمينيّة غيّرت تأويل الطقوس الشيعيّة من لطم يرتدّ على الذات إلى عنف يستهدف الخصم والعدوّ.

ولا تخفّف الاستغرابَ الحجّة التي تقول: إنّ طهران لا تريد الانجرار إلى «الفخّ الإسرائيليّ»، حيث تعمل تلّ أبيب على وضع الرئيس الأميركي المنتخب أمام أمر واقع جديد. ذاك أنّ «عدم الانجرار» لا يبقى مطلقاً حين تكون الإهانات مطلقة ويوميّة. سلوك كهذا قد لا يغري جو بايدن بأن يكون أكرم من دونالد ترمب حيال إيران. الإدارة الجديدة قد تستنتج، والحال هذه، أنّ ما من حاجة للتفاهم مع طرف ضعيف ومُهان وعاجز إلى هذا الحدّ!

لكنّنا نعرف، في المقابل، أنّ إيران استجابت بحماسة لعدوان صدّام حسين وخاضت معه إحدى أطول الحروب وأكثرها كلفة بالبشر وبالمال. وإيران لم تُرد تقصير هذه الحرب، بل حوّلتها مدخلاً إلى تصليب نظامها الذي كان لا يزال طري العود. نعرف أيضاً أنّ أدوات طهران ومستشاريها ينتشرون في البلدان المجاورة، وأنّها تمدّ أتباعها المقاتلين بالمال والسلاح. نعرف كذلك أنّ بعض رسمييها عبّروا بألسنة طليقة عن مطامح في «العواصم العربيّة الأربع».

ما الذي يُفهم من هذا التناقض؟ أغلب الظنّ أنّ مفهوم الحرب، في تأويله الإيرانيّ، يُقصد به فعليّاً الجوار العربي تحديداً وحصراً، لكنّه، وبالمطلق، لا تُقصد به إسرائيل. مع العرب يسري قانون الحرب. مع الدولة العبريّة، هناك قانون آخر مفاده أنّ ضرباتها تحصيلٌ حاصل. عدم الردّ عليها تحصيلٌ حاصل بالتالي.

قد يحصل «الردّ» في سوريّا أو العراق أو اليمن أو لبنان، وقد يحصل ضدّ من تصفهم إيران، ذات القاموس السخي بالأهاجي، بـ«عملاء إسرائيل وأميركا»... لكنّ «الردّ» لا يحصل ضدّ إسرائيل أو ضدّ أميركا. لهذا لا تستسلم طهران لتلّ أبيب وواشنطن، على ما يوحي سلوكها بالغ السلبيّة والاستكانة، ما دام أنّها «تردّ عليهم» في البلدان العربيّة.

وهذا في الحقيقة ليس اكتشافاً: فإيران ليست مهمومة أصلاً بمقاتلة إسرائيل، وهي لو كانت كذلك لاتّبعت السياسة التي اتّبعها سائر المحاربين في التاريخ، أي توسيع رقعة الأصدقاء وحصر العداوة في الطرف الذي يراد قتاله. بمعنى آخر، لو أنّها مهمومة بقتال إسرائيل لاعتمدت سياسات تضامن مع جوارها وحاولت تذليل خلافاتها معهم. العكس هو ما فعلته وتفعله لأنّها غير مهتمّة بقتال إسرائيل.

وهذا لا يقال بهدف إحراج الذين لا يحاربون إسرائيل، ولا طلباً للحرب، أي حرب، معها أو مع غيرها، بل يقال طلباً للصدق، ولو لمرّة واحدة. فالحقيقة التي نعيشها، وهي غريبة وفضائحيّة ومؤلمة معاً، هي أنّ قيادة المشروع المناهض لإسرائيل يتسلّمها اليوم حطام هذا المشروع: حطامه السياسي والاقتصادي والثقافي الذي يُسمّى النظام الإيرانيّ. هكذا باتت تلك القيادة في عهدة الكذب المحض الذي لا يقاتل ولا يسالم، أو بالأحرى، لا يقاتل هناك ولا يسالم هنا. والحال أنّ مواقف طهران في جمعها بين الغريب والمحيّر والمثير للمخاوف والمثير للفضول والمُهين لمعنى الكلمات أسباب وجيهة للتأمّل والتعليق وطبعاً السخرية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا يستوقفنا عدم الردّ الإيرانيّ لماذا يستوقفنا عدم الردّ الإيرانيّ



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya