عن نهاية للحرب اللبنانية لم تكتمل

عن نهاية للحرب اللبنانية لم تكتمل

المغرب اليوم -

عن نهاية للحرب اللبنانية لم تكتمل

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

قبل أقل من أسبوع مرت الذكرى الـ45 للحرب اللبنانية التي استمرت - بأشكال متفاوتة - عقداً ونصف العقد. البعض درس تلك الحرب بوصفها عينة نموذجية على تراكُب الأهلي والإقليمي. البعض أرخ بها لبداية الحروب الأهلية الجديدة في العالم العربي وبعض «العالم الثالث». الباحث الفرنسي الراحل ميشال سورا – مثلاً - رأى أن تلك الحرب تمكنت من أن تهز الإطار القديم من التحليل الاجتماعي الراسخ الذي لم يكن يرقى إليه شك بعض المثقفين. البعض رأى فيها مقبرة حُفرت مبكراً لمشروعات طموحة لا ينسجم طموحها مع تفتت مجتمعها، وبالتالي حدود قدراتها.
كثيرون من بيئة ثورة 17 أكتوبر (تشرين الأول) قالوا - تعليقاً على الذكرى - إن هذه الثورة شكَّلت الخاتمة الفعلية لتلك الحرب. لقد رأوا أنها قطعت معها نهائياً، وكانت - بهذا المعنى - من طبيعة علاجية وتطهرية. «اتفاق الطائف» تعامل مع بعض نتائجها، بينما ترك رموز الحرب يديرون المستقبل، أما «ثورة تشرين» فتعاملت مع أسبابها، وأصدرت حكمها السلبي القاطع على أولئك الرموز: «كلن يعني كلن». كلام البيئة الثورية عن صعود جيل الثورة احتل رقعة عريضة من الكلام. إنه الجيل الذي لم يعرف الحرب وإن أدركته آثارها.
هذا التقدير صحيح وخطأ في وقت واحد.
صحيح، بمعنى أن لبنانيي الثورة ظهروا على هيئة وطنية غير طائفية. بدا معهم أن ثمة همّاً جامعاً وعابراً للطوائف. الخصم المعلن لم يعد الطائفة الأخرى؛ بل السلطة السياسية والاقتصادية وتشعباتها. القيم الغالبة التي عبر عنها الثوار لم تنتمِ إلى الثقافات الفرعية للطوائف؛ بل عكست مزاجاً شبابياً كونياً ومعولماً. مناسبات التعبير عن تلك المعاني كانت كثيرة، ذروتها الاحتفال بعيد الاستقلال في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) الذي كان أقرب إلى إعادة تأسيس للوطن. الجيل الجديد، بشبَّانه وشابَّاته، قال إنه سيدير المستقبل.
وبالفعل، ما حدث كان ثورة، لا بالمعنى الذي عبرت عنه الثورة الفرنسية في 1789، أو الثورة الروسية في 1917. هنا، في لبنان، لم يحضر العنف، ولا كان المطروح إزاحة طبقة اجتماعية لطبقة أخرى. لقد كانت ثورة بالمعنى الذي شهدته ثورات أوروبا الوسطى والشرقية في 1989 - 1990 وتأدَّى عنه انهيار نحو من عشرة أنظمة، ومعها المعسكر السوفياتي برمته. وكانت ثورة بالمعنى الذي يوصف به مايو (أيار) 1968 الفرنسي، الذي عصف بمنظومات القيم القديمة. كذلك كانت ثورة بالمعنى الذي عرفته ثورات العالم العربي في 2011 في طورها الأول، طلباً للحرية والخبز والكرامة الإنسانية.
الحدث كان كبيراً بما يكفي ليُدشِّن بداية قطع، مجرد بداية، مع التاريخ الطائفي للبنان، ومع النزاعات الأهلية التي نجمت عنه.
مع هذا، بقيت هذه البداية تفتقر إلى أحد عناصرها الضرورية: ذاك أن الذي يريد التخلص من 1975 لا بد من أن يريد التخلص من المقاومة التي كانت حينذاك من أسباب 1975 (وليست سببها الوحيد)، والتي لا تزال اليوم، ولو اختلف العنوان، من أسباب التردي الراهن (وليست سببه الوحيد). هذا لم يكن ممكناً. ظهرت له بداياتٌ استحال إكمالها بسبب الخوف المشروع من السلاح.
لكن خطأ أصحاب الجواب المتفائل يكمن في مكان آخر. ذاك أن بداية القطع لم تُستكمَل لأن الثورة هُزمت. البداية صارت هي نفسها النهاية. وما دام أن «كورونا» لعب الدور الرئيسي في ذلك، اصطبغت هذه النهاية بأبشع ما ثارت عليه الثورة، أي بيقظة حادة للطوائف والمناطق والعصبيات على أنواعها. بعض أسوأ ما في البشر، لبنانيين وغير لبنانيين، ظهر إلى السطح متباهياً. هذا بعض ما تفعله الأوبئة، وهي كثيراً ما فعلته في التاريخ.
في لبنان تحديداً تبدَّى ذلك بأعمال ومواقف كثيرة، كاتهام «الآخرين»، أو تحميلهم المسؤولية، أو رفض علاجهم في «مناطقنا»، أو اقتصار معظم المعونات على الجماعة الأهلية للمُعينين... هذا المنحى تغذى على ضعف جهاز الدولة الفاسد أصلاً، ثم المصاب بالإفقار، كما على «التباعد الاجتماعي» الذي عطل حالات التضامن الممكنة، مثلما عطل النقاش العام حول ما يجري. في هذه البيئة وجد ساسة الطوائف ضالتهم كي يعيدوا من الشبابيك ما خرج من الأبواب. المهاترات حول تقاسم الحصص في التعيينات كانت مثلاً نموذجياً.
هكذا ما إن أطلت الذكرى الـ45 لحرب 1975 حتى اكتشفنا كيف أن تأويلها ما زال يشغل مؤوليها الطائفيين، وأن الخلاف في التأويلات مصدره الانقسام الطائفي إياه. إنهم ما زالوا يملكون الرغبة في إشعال الحرب من جديد. وقد نغامر بالقول إن ثورة «17 تشرين» عززت هذه الرغبة لدى البيئات الطائفية، وجعلتها ترقى إلى حاجة أو ضرورة. وأغلب الظن أننا سنشهد - ولفترة طويلة - سجال ثورة تعرضت للانتكاس وباتت مهيضة الجناح، وسلطة تقول إنها غير قابلة للانتكاس: وجوهها ورموزها قد يُنَحون جانباً ويُستبدلون، إلا أنها واثقة من أن بدائلها كسلطة ليسوا في الأفق. ويمكن القول - حتى إشعار آخر - إن أسباب الحرب لا تزال حية تُرزق، تقف بالمرصاد لجيل آثر أن يُنهي الحروب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن نهاية للحرب اللبنانية لم تكتمل عن نهاية للحرب اللبنانية لم تكتمل



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya