السعودية والحج تاريخ وواقع ومستقبل

السعودية والحج... تاريخ وواقع ومستقبل

المغرب اليوم -

السعودية والحج تاريخ وواقع ومستقبل

بقلم : عبدالله بن بجاد العتيبي


الحج خامس أركان الإسلام، وهو مرتبط بشكل كاملٍ بزمانٍ ومكانٍ مقدسين عند أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، يؤدى في أيام من شهر ذي الحجة زمانياً، وفي مكة المكرمة والمشاعر في منى وعرفات ومزدلفة مكانياً. وهو عبادة محضة يكتنفها الإيمان والإخلاص، ولا علاقة لها بأي حالٍ من الأحوال بالصراعات السياسية في أي زمانٍ.
ثمة نهج ثابتٌ في معاداة الدولة السعودية، وهذا شيء طبيعي في السياسة، ولكن غير الطبيعي أن تسعى فئات تختلف مع السعودية سياسياً إلى استغلال موسم الحج بأي أعمالٍ شنيعة، لا تتوافق مع قدسية الزمان والمكان والشعائر، سواء كانت أعمالاً إرهابية أم حزبية أم سياسية، وقد حدث هذا كثيراً في الماضي، وما زال يحدث في الحاضر.
مبادئ السعودية الكبرى تعتبر أن خدمة الحرمين الشريفين تشريف عظيم، ولقب عاهلها الرسمي هو خادم الحرمين الشريفين، وكل مقدراتها مسخرة لهذا الهدف السامي، وهي لم تسيّس الحج قط في تاريخها، ولم تجعله منبراً لمهاجمة خصومها أو استغلاله ضدهم؛ بل كان حرصها الدائم وسياستها الثابتة، خدمة ضيوف الرحمن من شتى البلدان والطوائف المختلفة والمذاهب المتعددة، وأن يقضوا نسكهم في يسر وسهولة وأمن وأمانٍ، ويعودوا لبلدانهم سالمين.
اليوم، وميليشيات الحوثي تستهدف الحرم المكي بالصواريخ الباليستية الإيرانية، وقطر تمنع مواطنيها بشتى الطرق من تأدية الحج، وهي بلا شك أفعالٌ شنيعة ومواقف سياسية تسعى لاستغلال الدين لخدمة مآربها الآنية، فإن ذلك ليس أمراً جديداً؛ بل حدث في التاريخ القديم والحديث، ودون إسهابٍ في عمق التاريخ، إلا أن الشواهد الحديثة والمعاصرة تكفي لإيضاح الصورة.
يحكي التاريخ الموثق أنه منذ حازت السعودية خدمة الحرمين الشريفين في عهد المؤسس الملك عبد العزيز، رُفعت المظالم ونُشر العدل وحُفظت الحقوق واستتب الأمن والأمان، وتم توحيد الصلاة في الحرمين، ورفعت أشكال التفرقة بين المسلمين، وتم الشروع في تطوير الحرمين والمشاعر خدمة لضيوف الرحمن، فتمت توسعات متتابعة، في عهد الملك سعود، والملك فهد، والملك عبد الله، وفي عهد الملك سلمان، في سياسة ثابتة للدولة السعودية، سيتم تطويرها بشكل أكبر ضمن «رؤية السعودية 2030» التي يقودها ولي العهد السعودي.
ولكن في المقابل ثمة تاريخ طويل من الاعتداءات والجرائم واستغلال الحج لأهداف سياسية وإجرامية وإرهابية، وكانت ثمة مجازر وجرائم ضد سكان الحرمين الشريفين، من العثمانيين وغيرهم من الطامعين قبل الحكم السعودي، والسياق هنا لا يحتمل التفاصيل.
في عهد الملك عبد العزيز، أرسل أجداد «الحوثي» الذي يستهدف مكة بالصواريخ الباليستية، مجموعة إرهابية لاغتيال الملك عبد العزيز في المسجد الحرام والشهر الحرام في حج عام 1935، ولكنهم فشلوا ونجا الملك، وبقي الحج في أمن وأمانٍ.
في عهد الملك سعود وفيصل، قدم «الإخوان المسلمون» كلاجئين إلى السعودية، ولقوا الحماية والتكريم، ولكنهم كانوا يستخدمون مواسم الحج لأهدافهم الحزبية والسياسية في شدِّ عصب التنظيم وجمع الأموال وغيرها، خلافاً للسياسة السعودية المعلنة الرافضة لأي تسييس للحج.
وفي عهد الملك خالد، قام المجرمون المتطرفون من جماعة جهيمان باحتلال الحرم المكي بقوة السلاح، متأثرين بالخطابات المتطرفة، وبخطاب جماعة «الإخوان المسلمين» والجماعات المنبعثة عنها، وتم القضاء عليهم، واستمرت السعودية في خدمة ضيوف الرحمن.
وقام في إيران نظام الولي الفقيه، الذي جعل من أولوياته استهداف السعودية، وتصدير الثورة إليها، وسعى جهده لتسييس الحج، وقام بمظاهرات حاشدة قادها حرسه الثوري في مكة والمشاعر المقدسة، فقتل كثيراً من الحجاج الآمنين في حج عام 1987، في مجزرة رهيبة لا تليق بقداسة الحج ولا قداسة الحرم.
وأعادوا الكرة في عام 1989 في تفجيرات دربوا منفذيها على تنفيذها في الحج. وقد أبدت السعودية صرامة في حماية الحجيج والمشاعر المقدسة، أوضحت بجلاء أنها لن تسمح أبداً بتعكير أجواء الحج أو تسييسه.
ثم دخل تنظيم «القاعدة» المدعوم إيرانياً وقطرياً على الخط، فأدخلوا السلاح في الحرم المكي، عبر مصاحف القرآن التي كانوا يقطعونها ويخبئون المسدسات داخلها، وعبر الخطط الشريرة للتفجير بجوار الحرم المكي، ولكن السعودية ويقظة قادتها ورجال أمنها منعوا حدوث كل تلك الشرور.
هذا السرد المختصر جداً يحكي قصة مهمة توضح الفرق بين توجهات السعودية وأولوياتها لخدمة الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن، وبين جهاتٍ متعددة، وإن اختلفت أهدافها في مراحل تاريخية معينة، إلا أنها تجتمع اليوم على الشرور نفسها والاستهداف ذاته، وأنها مهما اختلفت شعاراتها في السابق فإن الواضح اليوم وبالحقائق والمعلومات أنها قد أصبحت جهة واحدة بأهدافٍ وغاياتٍ موحدة، هي العداء للسعودية كدولة، واستهداف الحرمين الشريفين وضيوف الرحمن بكل أنواع الإرهاب والتسييس والشعارات.
أكثر من مليوني حاج، ووجودهم في أماكن محددة لأيام معدودة تحتاج لجهود جبارة ومتطورة، لتوفير أمنهم وسلامتهم وصحتهم، وتقديم أفضل الخدمات لهم، وهو ما نجحت فيه السعودية لعقودٍ طويلة، وهي باتجاه مرحلة جديدة من تطوير تلك الخدمات إلى مستوياتٍ غير مسبوقة اليوم وفي المستقبل، وهذا واحد مما يسبب الحنق والحقد لدى خصوم السعودية، وليس من حل لمواجهة هؤلاء الخصوم سوى الاستمرار في النجاح والمزيد منه.
العناد السياسي مهلكة، وهو نهج استخدمه هتلر وحلفاؤه، وموسوليني إيطاليا، واليابان في الحرب العالمية الثانية، وفشلوا فشلاً ذريعاً، كما استخدمه الخميني في حربه مع العراق، وفشل فشلاً ذريعاً، كما استخدمه صدام حسين في غزوه للكويت وفي حرب 2003 وفشل فشلاً ذريعاً، واليوم يعيد خامنئي سياسة سلفه الفاشلة، وجماعة «الإخوان المسلمين» عاندت طويلاً بسبب آيديولوجيتها، وتصرُّ قطر اليوم على هذا العناد الفاشل وستفشل مثل سابقيها، وإن تحالفت معهم، فتحالف الفاشلين يزيد الفشل.
رعاية السعودية للحرمين الشريفين وللمشاعر المقدسة لمليار ونصف مليار مسلم حول العالم، هي محل تقدير واحتفاء من كل قادة العالم السياسيين والدينيين، ومن كل المؤسسات الدولية الحقوقية والإعلامية، وهي ما يهدف له كل دعاة السلام والتسامح في العالم، وهي محل فخرٍ وقوة في الوقت نفسه، وهي ما يتم تطويرها لتصبح أكثر نجاحاً وتطوراً.
أخيراً، بحجم اتساع الرؤية وطموح النجاح، وبحجم الأمل والحرص على التطور والتأثير تكون النتائج، وهذه هي السعودية الجديدة. وكل عامٍ وأنتم بخير.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السعودية والحج تاريخ وواقع ومستقبل السعودية والحج تاريخ وواقع ومستقبل



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya