فصول من حروب «الضحايا» على «الضحايا»

فصول من حروب «الضحايا» على «الضحايا»!

المغرب اليوم -

فصول من حروب «الضحايا» على «الضحايا»

بقلم : جورج شاهين

قد تكون المرة الأولى التي يعجز فيها الخبراء والسياسيون عن توصيفٍ موحَّد لما بلغته الأزمة الإقتصادية والمعيشية. فالنظرة ليست موحَّدة، بل جاءت ترجمةً للفرز القائم بين اللبنانيين، فضاع المستقلون أو حُجبوا عن الشاشات وهو ما أدّى الى حالٍ من الفوضى المالية والإقتصادية. ولولا جهوزيّة القوى العسكرية لأُضيفت اليها الفوضى الأمنية. وعليه ما هو الدافع المؤدّي الى هذه المعادلات؟
على قاعدة أنّ الأرقام في لبنان ومعها الإحصاءات تحوّلت الى وجهاتِ نظر لم يتفق كثرٌ على توصيف ما يجري في لبنان. فكل التطمينات التي تناوب عليها كبار المسؤولين منذ فترة طويلة وتَغنّيهم بصلابة الوضع الإقتصادي ومتانة العملة الوطنية في لبنان انهارت في ايام قليلة وفقدت الثقة التي حظي بها عدد من المسؤولين، وخصوصاً اولئك الممسكين بالوضع المالي والنقدي في البلاد. قلائل بقوا على ثقتهم بالقدرة على استيعاب ما حصل مع الخوف من أن يقفل بعضها على زغل بعيداً عن الحلّ المستدام.

وانطلاقاً من هذه المعادلات، تعددت المواجهات في لبنان، السياسية منها والإقتصادية، وصولاً الى إيقاظ الخلافات على الحدود بين بشري وبقاعصفرين، كما بين العاقورة واليمونة، وفي لاسا، وكلها تُذكي النعرات الطائفية والمذهبية.

لكنّ أخطرها تجلّى بالنظرة الى اهتزاز الثقة بالعملة الوطنية والتلاعب بأسعار العملات الأجنبية التي تعني اللبنانيين بمختلف مناطقهم ومذاهبهم. فقد اعتاد اللبنانيون على ثبات سعر الليرة وغياب السوق السوداء منذ أكثر من عقدين. وهذا الوضع رفع منسوبَ القلق الذي زادته قراءاتُ الخبراء الإقتصاديين والماليين المنقسمين بين المتفائلين والمتشائمين.

عدا عن أنّ السياسيين الذين تورّطوا في قراءة التطورات والمؤشرات الإقتصادية والمالية المتسارِعة، أعادوا الى الأذهان مسلسل التلاعب بأسعار العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية ما بين 1986 و1992، وجاءت أحداث 6 أيار من ذلك العام لتقدّم النتيجة التي أرادها اصحاب تلك السياسات الذين استخدموا الليرة اللبنانية مطيّةً لبلوغ اهدافهم، فاستقالت حكومة الرئيس عمر كرامي على وقع الإطارات المشتعلة والإنتفاضات التي قادت اللبنانيين الى الشوارع رغم خلافاتهم لتدخل البلاد نمطاً سياسياً واقتصادياً جديداً امتدّ لعقود.

على هذه الخلفيات طُرحت سلسلة من الأسئلة عن أسباب ما حصل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

- هل هي فوضى مالية واقتصادية تعيشها البلاد في زمن الحدّ الأدنى من الإستقرار في محيطٍ ملتهب؟

- وهل هي مجرد أزمة عابرة ناجمة عن احتجاز الدولارات الأميركية في مكانٍ ما من لبنان؟

- وهل هي نتيجة حتمية للاختناق الإقتصادي الذي اقتيدت اليه البلاد بسياسات اقتصادية قصيرة النظر وهندسات مالية ومصرفيّة، عزّزتِ الركودَ بعدما لجأ أصحاب الرساميل الكبيرة الى تجميدها بفوائد تغنيهم عن هموم الإستثمار.

منذ خاضت موازنة عام 2019 ماراتون الجلسات الحكومية، وبعدها تشريحها في اللجان النيابية كان هناك مَن يحذّر ممّا بلغته الأزمة، فلم يرَ المسؤولون في كل ما حصل ما يفاجئهم، بل هم ما زالوا يتوقعون الأسوأ ما لم ينجح اهل الحكم والحكومة في استيعاب الأزمة القائمة بأقل الخسائر الممكنة.

ثمة مَن يعتقد أنّ التفاوت في النظرة الى حجم الأزمة ومظاهرها مردُّه الى تناولها كل من زاوية مختلفة عن الأخرى. فالطرفان المتشائم والمتفائل يدركان خطورة المرحلة، ولكنّ الخلاف قائم وما زال حول توصيفها وكيفية الخروج منها.

وفي الوقت الذي يصرّ فيه البعض على السير بالإقتصاد الوطني الى «تجربة هونغ كونغ» هناك مَن يهوى «تجربة هانوي». وفي الوقت الذي يطالب فيه البعض بالتجاوب مع متطلبات المجتمع الدولي وما يطلبه من نأي بالنفس عن أزمات المنطقة حيث تتطاحن فيها قوى كبرى وإنجاز ما هو مطلوب من خطوات إصلاحية أيّاً كان الثمن، هناك في المقابل مَن يعتقد أنّ على هذا المجتمع أن يرضخ للحاجات اللبنانية دون مقابل.

وعلى قاعدة الخلاف القائم بين اصحاب النظريتين، تبدو التطورات الإقتصادية تنحو الى ما يثير القلق. فما تتعرّض له الليرة اللبنانية في زمن ندرة الأوراق الخضراء، هناك مَن يؤكّد وجودها بما يكفي، لكنّ لجم التعامل بها وإمكان تهريبها الى خارج البلاد أمر ضروري.

ورغم عدم الإعتداد بأن يكون ذلك سبباً بارزاً في ما حصل، هناك مَن يعتقد أنّ العقوبات المسلطة على النظام المصرفي لا ترحم، وأنّ من بين المتربصين بلبنان مَن هم قادرون على النفاذ من زوايا هذه العقوبات للقيام بما يؤدي الى تبخّر كل ما أُنجز في تركيبة هرمية السلطة والمؤسسات وفي السياسة والإقتصاد والسياحة وعمادها الاستقرار الأمني والإجتماعي.

على هذه الخلفيات يتطلّع المراقبون الحياديون الى كل ما يجري على خلفية القول الماثور، إنّ «القلّة تولّد النقار». والدليل يكمن عند إجراء جردة عن المواجهات الصغيرة المفتوحة على شتى الإحتمالات السلبية. ويتطلعون الى الإشتباك بين اصحاب محطات المحروقات وشركات الإستيراد الذين يتقاسمون الخسائر اليومية، في وقت تندلع فيه المواجهة على خلفية نقل مليارات عدة من ميزانية المؤسسة العامة للإسكان الى مجموعة الجمعيات التي تُعنى بذوي الحاجات الخاصة والمعوقين، امتداداً الى الازمة التي قادت الى التحرّكات الشعبية رفضاً للغلاء ومسلسل إفلاس وإقفال العديد من المؤسسات التي تزيد من نسبة البطالة.

وعند إجراء الجردة المنطقية لنتائج هذه المشاكل وتداعياتها المختلفة ينتهي المراقبون الى التفاهم على توصيف لها، فيختصرون ما يجري بأنه سلسلة من حروب «الضحايا» على «الضحايا». فأطرافها من الضعفاء ذلك أنّ الأقوياء هم في مكان آخر خارج الأراضي اللبنانية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فصول من حروب «الضحايا» على «الضحايا» فصول من حروب «الضحايا» على «الضحايا»



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya