حلم طهران الصيني لن يحل مكان الكابوس المرعب

حلم طهران الصيني لن يحل مكان الكابوس المرعب

المغرب اليوم -

حلم طهران الصيني لن يحل مكان الكابوس المرعب

امير طاهري
بقلم : امير طاهري

هل يمكن أن يكون مقتل الجنرال قاسم سليماني بمثابة العلاج بالصدمة لأولئك القادة القابعين على رأس السلطة في طهران ودفعهم للاعتراف بأن فشل استراتيجيتهم قاد إيران إلى طريق مسدود؟

كان هذا هو السؤال الذي جرت مناقشته في مؤتمر ضم عدداً من الأكاديميين من إحدى الجامعات الرائدة في إيران. وحقيقة أن هذا الأمر الذي جرت مناقشته هو في حد ذاته إنجاز كبير، إذ يشير إلى استعداد المزيد من الإيرانيين لتحدي قواعد الصمت التي فرضها النظام على إثارة قضايا لطالما اعتبرها من المحرمات.
فخلال تلك المناقشات، عقد أحد المشاركين مقارنة بين تصفية سليماني ومقتل المارشال لين بياو، وزير الدفاع الشيوعي الصيني الذي فتحت وفاته في حادث تحطم طائرة عام 1971 الطريق لتغيير جذري في المسار في الصين الماوية.
فقد مكّن القضاء على المارشال لين الإصلاحيين الصينيين - ثم بقيادة رئيس الوزراء شو أون لاي – أمكن عزل ما يسمى بمتشددي «عصابة الأربعة»، بقيادة جيان تشينغ، زوجة الرئيس ماو، ومن ثم وضع الثورة الثقافية البروليتارية الكبرى على مقربة من مقدمة تغيير تاريخي يهدف إلى تحويل الجمهورية الشعبية من أداة لقضية ثورية إلى دولة قومية طبيعية. وخلال بضع سنوات، كانت الجمهورية الشعبية بقيادة دينغ شياو بينغ تقوم ببناء اقتصاد رأسمالي مع إطار سياسي شمولي، متجاهلاً أحلام «تصدير الثورة».
وبعد أن فقد النظام الشيوعي الصيني شرعيته الثورية، بدأ بناء مصدر جديد للشرعية من خلال النجاح الاقتصادي والارتفاع الكبير في مستويات المعيشة لمئات الملايين في جميع أنحاء البلاد. اكتشف الصينيون أن إنتاج وتصدير السلع التي يريدها الناس في جميع أنحاء العالم، كان أسهل وأكثر ربحية من محاولة تصدير ثورة لم يكن أحد متعطشاً لها، باستثناء بعض الطلاب في لندن وباريس.
ومع ذلك، فإن المقاربة لا تبدو دقيقة، فقد اتُهم المارشال لين بإقامة علاقات سرية مع الإمبريالية والتخطيط لانقلاب ضد الرئيس ماو، بينما اعتبر سليماني المرشد الأعلى علي خامنئي الأكثر إخلاصاً. كانت سيرة لين بالغة التألق، حيث قاد جيش التحرير الشعبي في معارك عديدة للانتصار في غزو بكين باعتبارها جوهرة التاج.
على النقيض من ذلك، كان حتى أكثر المعجبين المتحمسين بسليماني غير قادرين على تسمية معركة واحدة خاضها، ناهيك عن تحقيق الانتصار. وحتى الآن، لا يزعم مادحوه سوى تحقيقه لنجاحات سياسية، بما في ذلك نجاحه المزعوم في منع سقوط بشار الأسد في سوريا والسيطرة على أجهزة الدولة اللبنانية من خلال وكلائه.
ومع ذلك، فقد وفّر زوال سليماني فرصة لمراجعة جادة لسياسة خامنئي المتمثلة في تصدير الثورة والتي كلفت إيران مبالغ فلكية وأرواحاً لا تعد ولا تحصى، مع عدم وجود دولة واحدة خارج إيران تتبنى الآيديولوجيا الخمينية ونظام حكمها.
إن فكرة محاكاة النموذج الصيني ليست بالجديدة في إيران، فقد قام الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني بتطوير ذلك النموذج لأول مرة عام 1990، لكنه قال فيما يشبه المزاح إنه على استعداد للتخلص من ملابس رجال الدين للتماشي مع العالم الحديث. ووعد الشاه بأنه سيحول إيران إلى «يابان أخرى»، ووعد رفسنجاني بـ«صين أخرى».
لم يستطع الشاه الوفاء بوعده بعد أن قامت الثورة الإسلامية واضطر إلى العيش في المنفى. وظلت «الصين الثانية» لرفسنجاني أيضاً حلماً ميتاً، حيث نجحت النسخة الإيرانية من دينغ شياو بينغ في البقاء على قيد الحياة خارج السجن، وبالكاد طاقها «صانعو القرار» الحقيقيون.
ذكر لي مؤخراً بعض المقربين من رفسنجاني أنه «جبان بعض الشيء» وأنه فقد فرصته في أن يكون دينغ شياو بينغ بسبب الصفقات التجارية الفاسدة التي تورط فيها. ووفقاً لهؤلاء المقربين، لم يدرك رفسنجاني أن المرء يبدأ في جني الأموال لنفسه أو لحاشيته وعائلته، بعد أن يكون قد أصبح دينغ شياو بينغ، وليس قبلها.
فقد حققت أسرة دينغ، بما في ذلك ابنته، وصهره، وحاشيته، الملايين بعد أن زال حكم الزعيم ماو من الصين. في حالة رفسنجاني، استطاعوا جمع الملايين دون أي محاولة لإزاحة نظام الخميني.
في الوقت الذي عزف فيه رفسنجاني اللحن «الصيني»، جادلت في العديد من المقالات بأن نموذج دينغ لا ينطبق على الجمهورية الإسلامية. في الصين، على الرغم من اختلافها، كانت الماوية آيديولوجيا قوية تمزج بين القومية وكراهية الأجانب والمساواة التي يرمز إليها فرض زي رسمي ووحدات إنتاج جماعي. على النقيض من ذلك، لم تتطور الآيديولوجيا الخمينية مطلقاً لتصبح قصة متماسكة، في حين أن عداءها المفتوح للقومية الإيرانية أعطاها هالة غريبة. علاوة على ذلك، انتصرت الثورة الصينية بعد عقود من الكفاح، بما في ذلك حرب أهلية ضخمة شارك فيها عشرات الملايين من الجانبين. في المقابل، نجحت الثورة الخمينية في غضون أربعة أشهر تقريباً لأن الشاه، الذي أبى أن يصدر أوامر قمع جماعية، قرر التخلي عن السلطة والرحيل.
ثمة اختلافات أخرى بين إيران اليوم والصين في الثمانينات. فقد كان الحزب الشيوعي الصيني يسيطر بشكل كامل على الجمهورية الشعبية، حيث كان الحزب لديه ما لا يقل عن خمسة ملايين من الكوادر المدربة والمنضبطة القادرة على نقل الرسالة إلى المجتمع ككل، وتعبئة الدعم لأي تغيير في الاستراتيجية. لا يوجد لدى جمهورية الخميني مثل هذا الهيكل، إذ إن قاعدة دعمها غارقة في الفساد وتجد صعوبة كبيرة في التواصل مع المجتمع ككل. فالتجمعات الجماهيرية التي يعقدها النظام لا تخدع أحداً. اليوم أصحاب القرار في طهران يشكلون أقلية صغيرة معزولة تعيش في ماض تخيلي يخشى المستقبل. والأسوأ من ذلك أن العديد من أصحاب القرار قد أرسلوا بالفعل جزءاً من أموالهم في الخارج، حيث أرسلوا أبناءهم إلى أوروبا وأميركا.
من المدهش أن يرى المرء أمثال هؤلاء الذين يتعاملون من دون أي قبول شعبي على الأرض ويعاملون إيران كأرض للنهب، ويرسلون بالعائدات إلى الغرب. لن يستطيعوا إنتاج «دينغ» إيراني لأنهم لا يريدون خلق اقتصاد منتج؛ كل ما يهمهم هو الحصول على المال والهرب. كما أنهم ليسوا قادرين على بناء مؤسسات الدولة الضرورية لاقتصاد حديث قادر على العمل في السوق العالمية.
إن الآلات التي ورثها دينغ وفريقه كانت قمعية وعفّى عليها الزمن بالمعايير الدولية. ومع ذلك فقد نجح في استخدامهم أدواته الخاصة. في المقابل، فإن الجمهورية الخمينية، رغم تشابهها في أسلوب القمع مع النظام الماوي، فإنها لا تعمل لأنها تفتقر إلى أي آلية للإصلاح الذاتي. فهي تشبه الحصان المعصوب العينين الذي يدور في المطحنة القديمة، ليطحن بذور الحصاد المريرة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حلم طهران الصيني لن يحل مكان الكابوس المرعب حلم طهران الصيني لن يحل مكان الكابوس المرعب



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين

GMT 03:38 2017 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

حنان زعبول توكل محاميًا عنها في شكواها ضد الشيخ الفيزازي

GMT 07:00 2012 الجمعة ,14 أيلول / سبتمبر

اكتشاف نوع جديد من القرود تشبه البوم
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya