الحرب على الديمقراطية

الحرب على الديمقراطية

المغرب اليوم -

الحرب على الديمقراطية

بقلم - علي أنوزلا

أخرج صحافي التحقيقات الهادفة، جون بيلجر، في العام 2007، فيلمه السينمائي الوثائقي "الحرب على الديمقراطية"، كشف فيه سياسة التدخل الأميركي في أميركا اللاتينية بدعم انقلابات عسكرية لإطاحة أنظمة شرعية منتخبة. ويستعرض الفيلم تاريخ الحروب الأميركية القذرة في أميركا اللاتينية منذ خمسينات القرن الماضي، عندما كانت المخابرات الأميركية تتدخل، سرا أو علانية، لإطاحة حكومات ديمقراطية، وتنصب مكانها ديكتاتوريين وسفاحين وقتلة، كما حصل في الدول التي كانت توصف بـ"جمهوريات الموز"، مثل تشيلي وهندوراس وغواتيمالا ونيكاراغوا وبنما وبوليفيا وفنزويلا. ويقف الفيلم عند تجربة هوغو تشافيز في فنزويلا ومحاولات الولايات المتحدة إطاحته، على الرغم من أنه كان رئيسا منتخبا، وكان يحظى بشعبية كبيرة في بلاده، وفي دول عديدة في أميركا اللاتينية، بل وفي العالم.
خلاصة الفيلم الجوهرية تكمن في فكرة بسيطة، هي أن الديمقراطية وقيمها من حرية وحقوق الإنسان ليست غايةً في حد ذاتها بالنسبة للرأسمالية المتوحشة، استعملتها طوال الحرب الباردة سلاحا فعالا لمحاربة الأنظمة الشيوعية الشمولية، وتحولت إلى عدو تستهدفه في أميركا اللاتينية. وكان يُعتقد أن فكر الهيمنة الذي تقوم عليه عقيدة إمبراطورية الولايات المتحدة الأميركية قد انتهى، وولى إلى غير رجعة. ولكن مع مجيء الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، إلى الحكم، أصبح هذا الفكر سياسة رسمية داخل البيت الأبيض. وما كانت تقوم به 

أميركا بالأمس القريب في السر، وعبر مخابراتها، تقوم به اليوم بشكل سافر وعلني، بل وتعلن عنه وتتباهى به، والنموذج الصارخ هو ما يحدث في فنزويلا، حيث تدعم الإدارة الأميركية رئيس البرلمان الذي نصب نفسه رئيسا مؤقتا، وساندته علانية في قيادة انقلاب عسكري ضد رئيس بلاده المنتخب. ولكن المثل الفنزويلي ليس سوى واحد من بين عدة أمثلة، عن تدخل الإدارة الأميركية الحالية في عهد دونالد ترامب ضد عدة أنظمة وحكومات ديمقراطية، والأمثلة هنا كثيرة من الحرب الأميركية المتواصلة ضد إيران التي تستند فيها الحكومة إلى شرعية ديمقراطية، على الرغم من كل المؤاخذات التي يمكن تسجيلها على طبيعة الحكم الإيراني، وفي مساندة الرئيس الأميركي، ترامب، شخصيا الجنرال الليبي الانقلابي خليفة حفتر ضد حكومة بلاده الشرعية المعترف بها دوليا، مرورا بالدعم المادي الذي تقدمه الإدارة الأميركية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي جاء إلى السلطة بعد أن انقلب على رئيس شرعي منتخب، وزجّه وأعضاء حكومته وحزبه في السجن، وإرساله نائبة وزير خارجية الإدارة الأميركية إلى رئيس المجلس العسكري في السودان، إشارة إلى مباركة الانقلاب، وتأييد إعلان المجلس الاحتفاظ بالسلطة التي يطالب المحتجون بتسليمها إلى الشعب، بعد أن نجحت ثورته في إسقاط نظام عمر البشير الدكتاتوري الذي كان يحظى بعطف الإدارة الأميركية ورضاه. 
ومقابل الهجوم الذي تشنه الإدارة الأميركية الحالية ضد كل التجارب الديمقراطية الفتية في العالم، نجدها تساند علانية كل الأنظمة المعادية للديمقراطية، من النظام العنصري والمجرم في إسرائيل، إلى الأنظمة العربية التي تقمع شعوبها وتتدخل عسكريا وماليا وإعلاميا لتقويض محاولات الشعوب الأخرى للتأسيس لديمقراطياتها، وخصوصا النظامين السعودي والإماراتي اللذين يحظيان بدعم وتشجيع وحماية من الإدارة الأميركية الحالية في تدخلاتهما وحروبهما المعلنة وغير المعلنة ضد كل الشعوب العربية التواقة إلى التحرّر والتغيير، من اليمن مرورا بالبحرين وسورية ووصولا إلى السودان والجزائر.
في عام 2001، وعلى إثر الهجوم الإرهابي على نيويورك، أطلق الرئيس الأميركي، جورج بوش الابن، ما باتت تعرف بـ"الحرب العالمية على الإرهاب"، وكان من بين الشعارات البرّاقة التي رفعتها تلك الحرب في أولى معاركها المدمرة في أفغانستان والعراق شعار نشر الديمقراطية، وبعد مرور نحو 18 عاما على كل الحروب المدمرة التي شنت تحت غطاء هذا الشعار الزائف، أصبح جليا أن الأمر كان خديعةً كبرى، برّرت بها الإدارات الأميركية المتعاقبة، والحكومات والأنظمة الموالية لها عبر العالم، حروبها القذرة للقضاء على كل بذور الفكر الديمقراطي وقيمه الأساسية، أي الحرية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها.
لقد تحولت "الحرب على الإرهاب" التي وفر لها النظام العالمي الجديد الذي تتحكّم في صياغته 

الأنظمة النيوليبرالية، صاحبة الفكر الاستعماري الجديد، غطاء قانونيا وشرعيا دوليا، إلى حربٍ معلنةٍ ضد الديمقراطية، وضد إرادة الشعوب، باسم مكافحة الإرهاب. وباسم هذه الحروب، تم الانقلاب على أول تجربة ديمقراطية في مصر، وباسمها تشن الحرب المدمرة في اليمن منذ أربع سنوات. وبمبرّر خوضها حربا لا تنتهي ضد الإرهاب، تستمر أنظمة سلطوية وقمعية كثيرة في محاصرة شعوبها وقمع تطلعاتها نحو الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. وتحت غطاء الحرب القذرة نفسها، يسمح لأنظمة قمعية ومتخلفة في السعودية والإمارات للتدخل في شؤون دول إقليمية، وشن حروب مدمرة ضد شعوبها، وقيادة مؤامرات داخلية ضد حكومات وأنظمة منتخبة ديمقراطيا، وشراء وسائل إعلام ورشوة صحفيين لترويج حروبهما الجديدة ضد الديمقراطية.
في فيلم "الحرب على الديمقراطية"، يصف مخرجه، جون بيلجر، الإمبريالية الحديثة بأنها "حرب على الديمقراطية"، لأن الديمقراطية الحقيقية تشكل تهديدا للسلطة غير المقيدة، وبالتالي فهي عدوتها اللدود. وفي عالمنا العربي، الحرب التي تقودها الأنظمة ضد الديمقراطية في بلدانها هي حربٌ ضد إرادة الشعوب، لأن هذه الأنظمة تخاف من شعوبها عندما تنهض. وكما يقول بيلجر، فإن أشد ما تخافه الأنظمة غير الديمقراطية هو تشبث الشعوب بإرادتها، لأنها تعرف أن تلك الإرادة لا تموت أبدا، إنها مثل البذرة المزروعة تحت الثلج سيأتي اليوم الذي تزهر فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحرب على الديمقراطية الحرب على الديمقراطية



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya