تداول عسكري في موريتانيا

تداول عسكري في موريتانيا

المغرب اليوم -

تداول عسكري في موريتانيا

بقلم : علي أنوزلا

بعيداً عن اهتمام كبرى وسائل الإعلام الدولية، تجري الانتخابات الرئاسية الموريتانية من دون اهتمام كبير من الرأي العام العالمي. أولاً، بسبب وضع موريتانيا على موقع الخريطة الجيوسياسية لأهم صانعي القرار في العالم ممن لا يتذكّرون وجود هذا البلد إلا عندما يتعلق الأمر بالخطر الإرهابي القادم من الصحراء الأفريقية الكبرى. وثانيا، بسبب تزامن إجراء هذه الانتخابات مع حدثين كبيرين هزّا المنطقة، ومازالت تداعياتهما تتفاعل، وهما الثورتان الجزائرية والسودانية اللتان تسرقان كل الأضواء، وتستقطبان كثيراً من الاهتمام العالمي. 
وفيما تعيش الجزائر والسودان مخاضين عسيرين، لا يعرف حتى الآن ما يمكن أن يتمخضا عنه، تبدو موريتانيا بلدا مستقرّا تجري فيه انتخابات عادية بدون رهانات سياسية كبيرة، إلا تلك الداخلية التي لا تعني سوى الناخب الموريتاني الذي على الرغم من كل الفقر الذي يعاني منه بلده، إلا أنه، مقارنةً مع واقعه الإقليمي، يعرف نوعا من الاستقرار في ظل هامش من الحرية، يكاد لا يوجد مثله في دولٍ عربية كثيرة.
ولذلك، تبدو الانتخابات الموريتانية لمن يتابعها من بعيد، كما لو أنها تجري في أجواء ديمقراطية، يشارك فيها ستة مرشحين ينتمون إلى عدة أحزاب سياسية، أو مدعومين من تحالف أحزاب سياسية، وكلهم شخصيات معروفة في البلد، لهم امتدادات حزبية أو شعبية داخل أوساطهم، أو أوساط الأحزاب التي تدعمهم. وبالتالي، فهم مرشّحون جدّيون بكل المقاييس، ما يدفع إلى الاعتقاد بأن اللعبة أيضا جدّية، وقد تؤدي إلى جولة ثانية، لصعوبة حسم السباق في  
"تبدو الانتخابات الموريتانية لمن يتابعها من بعيد، كما لو أنها تجري في أجواء ديمقراطية، يشارك فيها ستة مرشحين" الجولة الأولى مع وجود مرشحين كهؤلاء داخل الحلبة.
ولكن، بعيدا عن المظاهر الشكلية لهذه الانتخابات، وما يرافق حملاتها التي انطلقت قبل أسبوع من دعاية كبيرة، إلا أنها تبقى في عمقها مجرّد عملية تسويق سياسي كبيرة، موجهة إلى الاستهلاك الخارجي، يقوم بها النظام العسكري الحاكم في موريتانيا لصالحه، ولصالح مرشحه الذي يعتبر من أبرز الموعودين بالفوز في هذا الاستحقاق.
وحسب ما يعتقده مراقبون لهذه الانتخابات، بل وتذهب إلى ذلك حتى أحزابٌ معارضة مشاركة فيها، تكاد نتائجها تكون محسومة، حتى قبل ذهاب الناخبين إلى صناديق الاقتراع، لصالح مرشح السلطة المدعوم من الرئيس الموريتاني المنتهية ولايته محمد ولد عبدالعزيز الذي أعلن عدم ترشحه لولاية ثالثة، بما أن دستور بلاده يمنع الحكم أكثر من ولايتين متتاليتين. وكان من الممكن أن يلجأ الرئيس المنتهية ولايته إلى تعديل الدستور، ليسمح لنفسه بالترشح أكثر من عهدتين، كما تعود على فعل ذلك دكتاتوريون كثيرون. ولكن يبدو أن ولد عبدالعزيز الذي يعتبر رجل موريتانيا القوي بدون منازع، اختار طريقة التداول على السلطة على الطريقة الروسية بتبادل الأدوار مع وزير دفاعه، تماما كما فعل ذلك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مع رئيس حكومته ضعيف الشخصية، ديمتري ميدفيديف، فمرشح السلطة في موريتانيا، محمد ولد الغزواني، جنرال، كان قائدا للجيش ووزيرا للدفاع، ظل في منصبه حتى إعلان ترشحه قبل أشهر، وهو قبل ذلك رفيق سلاح الرئيس المنتهية ولايته، ورجل ثقته وظله بكل ما للكلمة من معنى، وزميله الذي شارك معه في كل الانقلابات التي عرفتها موريتانيا في السنوات الأخيرة، بدءا بانقلاب عام 2005 الذي أطاح حكم الجنرال معاوية ولد الطايع، وبعد ذلك انقلاب عام 2008 الذي أطاح أول وآخر حكم مدني ورئيس مدني منتخب بطريقة ديمقراطية عرفته موريتانيا منذ استقلالها بداية الستينيات، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله. 
وقد بدت حتى الآن مؤشراتٌ كثيرة تدفع إلى اعتقاد أن ما يجري هو مجرّد تداول عسكري على السلطة بين اثنين من أقوى جنرالات المؤسسة العسكرية، الرئيس المنتهية ولايته ورئيس جيشه ووزير دفاعه، ما سيمكّن للرئيس المنتهية ولايته من الاستمرار في الحكم من خلف الستار من خلال المنصب الذي سيختاره لنفسه، بعد تنصيب وزير دفاعه مكانه. وتستدل  
"اختار ولد عبدالعزيز طريقة التداول على السلطة على الطريقة الروسية بتبادل الأدوار مع وزير دفاعه" المعارضة في طعنها الإستباقي في نتائج هذه الاستحقاقات بالتشكيك في حياد اللجنة المستقلة المشرفة على تنظيم الانتخابات، والتي ينتمي جميع أعضائها، باستثناء واحد، إلى أحزاب داعمة لمرشح السلطة، ما يدفع إلى الاعتقاد بوجود احتمالات كبيرة بأن تزوّر هذه اللجنة التي عينتها الحكومة المكونة من الأحزاب نفسها، الداعمة لمرشح السلطة، نتائج الاستحقاقات لصالح مرشحها. تضاف إلى ذلك تجاوزاتٌ عديدة بدأت أحزاب المعارضة تسجلها ضد حملة مرشح السلطة، ما يفقد، من وجهة نظرهم، هذه الاستحقاقات كل ضمانات الشفافية والنزاهة المطلوبتين.
وبالنسبة للمعارضة التي تتكون من أحزاب سياسية حقيقية، خبرت الواقع الموريتاني جيدا، فهي لا تراهن كثيرا على نتائج هذه الانتخابات التي تعرف مسبقا نتيجتها، ولكنها تشارك فيها ليس فقط من باب المشاركة الرمزية، وإنما أيضا من أجل إحراج النظام الحاكم أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، من خلال دفعه إلى ارتكاب مزيد من الأخطاء التي تدين سلوكه، وتفضح خطابه المزدوج.
ما يحدث في موريتانيا أبعد ما يكون عن العملية الانتخابية النزيهة، وإنما هو نوع من التباري الخطابي بين أحزاب المعارضة والسلطة (وأحزابها)، تسعى من ورائه أحزاب المعارضة إلى تسجيل المواقف، وكسب النقاط التي ستقوي موقعها داخل الساحة السياسية الداخلية، في انتظار أن تنضج الظروف أكثر لإخراج موريتانيا من تحت حكم العسكر المستمر منذ زهاء 57 سنة، هي سنوات موريتانيا المستقلة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تداول عسكري في موريتانيا تداول عسكري في موريتانيا



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya