جورج البهجورى ومتحفه

جورج البهجورى ومتحفه!

المغرب اليوم -

جورج البهجورى ومتحفه

بقلم : مكرم محمد أحمد

أنفق رسام الكاريكاتور المُبدع جورج البهجورى نصف مدخرات حياته «مليون ونصف مليون جنيه»، والبهجورى لم يدخر كثيراً فى شراء شقة فسيحة مساحتها 250 مترا وسط القاهرة فى شارع 23 يوليو ليقيم على جدرانها متحفاً يضم أعماله ولوحاته الكاريكاتورية على امتداد 70 عاما،ً قضى منها 25 عاماً فى باريس، يتعلم ويدرس ويرسم لوحاته الساخرة التى صور فيها تفاصيل وتضاريس الحياة المصرية، كما صور نفسه وأسرته وأصدقاءه والكثير من زملاء وأعلام عصره، بيكاسو وأم كلثوم والسادات ونجيب محفوظ وبيكار والشاعر أحمد عبدالمعطى حجازى والمصورين الكبيرين حامد ندا وعبدالهادى الجزار وآخرين كثيرين، رسمهم البهجورى من الداخل وكشف لنا خباياهم النفسية وربما قال رأيه فيهم، والرسم هو طريقة البهجورى فى الكلام، يمارس من خلاله حريته فى التعبير عن هذا الشخص دون رقيب أو كما يقول البهجورى يؤكد بالرسم الحياة النضرة لهذا الشخص المرسوم ليصبح خالداً على الورقة البيضاء، تُسجل جماليات خطوط جسمه عبر العاطفة التى يحملها للشخص المرسوم، خاصة إذا كان امرأة، لأن للمرأة أقواساً من هبة الله جعلها محور المخلوقات جميعاً، ومن بين الشخصيات العديدة التى رسمها البهجورى تظهر رسوم عبدالناصر بخطوط أنفه المعقوف ولمعان عينيه البراقتين وتكورات خده وهو يضحك قليلاً حجم الحب الذى لا يزال يكنه البهجورى لجمال عبدالناصر.
  ويبدو أن موضوع البهجورى المفضل دائماً، الخبز على رأس راكب الدراجة يحمل صفوف الخبز المتراصة دون أن تهتز مثل لاعب أكروبات ماهر، رسمه البهجورى أكثر من مرة ورسم عربة الفول المدمس وزجاجات الزيت والخل والشطة، كما رسم ساحة الأزهر بزحام الناس فى صباح رمضانى، ورسم فم الخليج وسور القاهرة والقلعة من بعيد والناس حول كل شىء يلتقون بالحب كأنهم أسرة واحدة، ورسم أحداثاً جساماً لم تفارق أذهان المصريين، رسم حريق الأوبرا والألم يُمزقه والحريق يشتد، وإبراهيم باشا فوق حصانه يُشير بأصبعه وكأنه يتهم الجميع، كما رسم قطار الصعيد المُحترق، والصبية الصغار لميكانيكيين فى حى معروف، وزحام المواصلات فى ميدان التحرير بعد انصراف الموظفين، وسهرات رمضان فى مقهى الفيشاوى، وجنازة أم كلثوم والمصريين يودعونها باكين، وزحام الترسو وسط معركة كروية فى النادى الإسماعيلى، وعبدالناصر وطه حسين فى لقاء نادر فى عيد العلم، ونجيب محفوظ بعد حصوله على جائزة نوبل، رسم البهجورى كل صور الحياة المصرية وفى رسومه العديدة حكى آلام المصريين وأحياناً أفراحهم القليلة، يغوص فى الروح فينبج الجسد على الورق فى تشوهات غير مؤذية تكشف عُمق النفس الإنسانية، ومثل محلل نفسى تعمل ريشة البهجورى لتقول لنا رأى البهجورى فى كل ما يراه دون أن يفتح فمه بالكلام، ويبدو أن خيرى شلبى يرحمه الله أصاب كبد الحقيقة وهو يرى مصرية البهجورى فى قبطيته الأصيلة التى تربت فى كنف الثقافة الإسلامية فأصبحت قبطية مسلمة تُقدس القرآن كما تُقدس الإنجيل، تلك هى روح مصر بشخصيتها الأصيلة التى عاشت أكثر من ألف عام فى توافق حميم واتساق مُذهل، نراه فى وجه البهجورى، وفى جميع حالاته يبقى جورج البهجورى حالة فنية فريدة، إنسانا يتكامل فيه معنى الإنسان، وشخصية ثرية تشخبط على جدران الصمت لتكشف لنا حالة فن دائم، يختزل الخطوط والناس من خلال بوصلة داخلية تستخرج من الداخل خطوط رسمه الكاريكاتورى فى تكوين فنى بديع، يجمع فى رسومه ــ كما قال إدوارد خراط ــ بين سعادة الحياة والحزن والشعور بالابتهاج والأسى العميق، وهى مشاعر مختلفة ومتصلة فى النفس المصرية منذ قديم الأزل..، وأكثر ما يؤرق جورج البهجورى الآن، ماذا يكون مصير متحفه الذى أنفق على شراء شقته أكثر من نصف مدخراته وأودع فيه عصارة أعماله ورحيق عمره إن كان المتحف لم يلق اهتمام المسئولين عن الثقافة المصرية ولم يشاركوا فى افتتاحه رغم دعوتهم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جورج البهجورى ومتحفه جورج البهجورى ومتحفه



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya