أربعة عقود، ثلاث هزّات

أربعة عقود، ثلاث هزّات !

المغرب اليوم -

أربعة عقود، ثلاث هزّات

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

«نريد دولة يَسهُل على تلاميذ مدارسنا أن يرسموها».. هكذا قال المفاوض ياسر عبد ربه، إبّان مفاوضات ما بعد أوسلو. لا أسهل من رسم خارطة فلسطين ـ البلاد شبه خنجر أو شبه بندقية. منذ مشروع التقسيم الدولي الأول 1947 تعقد رسم فلسطين ـ البلاد بين عربية ويهودية، ثم صرنا نرسم فلسطين ـ الدولة كأنها حبّة فاصولياء  عريضة أو كِليَة صغيرة في جسم فلسطين ـ البلاد، ومعها ما يشبه قرن موز صغير، وبينهما إسرائيل.

كان طول حدود الهدنة بعد العام 1967 كذا مئات الكيلو مترات، واستطال طولها مع بناء الجدار العازل.. وبعد إعلان «المخبوصة الترامبية»، نخر سوس الاستيطان ما كان يشبه حبّة فاصولياء أو كِليَة صغيرة.
رئيس السلطة ربط بين إعلان الشق السياسي للصفقة وبين وعد بلفور، لكن التقسيم الرابع في هذه الصفقة بدأ قبل أربعة عقود مع معاهدة سلام «كامب ديفيد» 1979. كانت هذه أول هزّة سياسية منذ نكبة العام 1948، وكان اتفاق مبادئ أوسلو بمثابة الابنة الشرعية ـ غير الشرعية لتلك المعاهدة، ثم «صفقة العصر» الترامبية عام 2017 بمثابة الابنة غير الشرعية لأوسلو. هذه هي الهزّة السياسية الثالثة،  وفي جميع الهزّات كان لأميركا اليد الطولى في صنعها.
حتى ما قبل هزّة معاهدة سلام «كامب ديفيد»، كانت لأميركا مشاريع سلام، من مشروع جونستون لروافد نهر الأردن، إلى مشروع روجرز ومشروع ساوندز، وربما مشروع النقطة الرابعة.
عندما أعلنت بنود اتفاق مبادئ أوسلو، قال الرئيس السوري حافظ الأسد، إن كل بند من بنودها الخمسة يحتاج إلى تفاوض لاحق. الآن، مع استكمال الشقّ الاقتصادي للصفقة بشقّ سياسي، صارت بنود الوضع النهائي لاتفاق مبادئ أوسلو مُفصّلة في 80 صفحة تشمل: القدس، واللاجئين، والحدود، والمستوطنات، والمياه.. وجميعها في غير صالح الحقوق الفلسطينية، وخلافاً لقرارات الشرعية الدولية، وحتى لسياسات الإدارات الأميركية.
مع إعلان الصفقة رسمياً، انتهت مرحلة من ثلاث سنوات ملأى بالتسريبات ونفيها، علماً أن السلطة رفضت فوراً أولى خطواتها، ثم رفضت الشقّ الاقتصادي، ورفضت الشقّ السياسي بعد ساعات من إعلانه.
أبلغ رئيس السلطة اجتماعاً طارئاً بحضور كل الفصائل أن إجراءات ستبدأ، فوراً، لتغيير الدور الوظيفي للسلطة، وأن مرحلة جديدة في العمل الفلسطيني سوف تبدأ.
سيذهب رئيس السلطة إلى اجتماع لدورة غير عادية للجامعة العربية. ما الذي سيقوله غير ما قاله في الاجتماع الفلسطيني الطارئ؟ هل ما قاله عبد القادر الحسيني قبل النكبة، بينما ثلاث دول عربية صدرت عنها موافقة صريحة للصفقة، وحضور صريح لإعلانها، وصدرت موافقات مشروطة من دول عربية أخرى.. وبقية الدول العربية إما صامتة وإما مشغولة بنفسها عن نفسها.
ربما حضور الفصائل المعارضة أول اجتماع قيادي للفصائل منذ الانقسام بداية مسيرة إنهاء الانقسام.. لكن انقسام الدول العربية في موقفها، المعلن وغير المعلن، من إعلان الصفقة يصعب رأبه ببيان آخر حول وحدة الموقف العربي منها.
السلطة لا تنتظر موقفاً رسمياً مناسباً من دول الجامعة، ودول العالم تنتظر موقفاً فلسطينياً عملياً، وموقفاً عربياً رسمياً، لكنها ترحب بحذر بإعلان الصفقة، ومدى تأثيرها على محاكمة عزل ترامب من جهة، ومحاكمة نتنياهو من جهة أخرى.
في زمن ما قبل هذا الانهيار العربي كانت دول عربية إما تزاود على النضال الفلسطيني وإما تزاود على سياسة منظمة التحرير.. والآن، تحاول أميركا وإسرائيل تليين الموقف العربي للضغط على السلطة الفلسطينية، ثم تليين الشرعية الدولية بعد ذلك.. وترك الفلسطينيين في مواجهة ما يبدو «قوة قاهرة» أميركية إسرائيلية.
فلسطينياً، تراهن السلطة على شعبها، الذي يراهن على موقفها، الذي يبدو مدجّجاً بالشعارات الصحيحة، والمؤسف أن انحياز الصفقة إلى مطالب وشروط إسرائيل، لا يرافقه انحياز بعض الدول العربية إلى الموقف الفلسطيني المعارض لها.
في تقديمه للصفقة، اعترف ترامب بأنه دون قبول فلسطيني، ولو لاحقاً، فإن آخر فرصة لقيام دولة فلسطينية هجينة، سوف تفشل، حتى وإن قبلتها دول عربية، أو ساعدت في تمويلها.
وجه الخطورة في الصفقة يتعدى سيادة إسرائيل على القدس برمّتها، إلى محاولة تخيير المقادسة بين قبول جنسية إسرائيلية، أو الحفاظ على وضع مقيم غير مواطن تحت سيادة إسرائيل، إلى لفظ أجزاء من القدس خارجها، وضمها إلى السلطة الفلسطينية للحدّ ما أمكن من الديمغرافيا الفلسطينية فيها.
أيضاً، ومستقبلياً إخراج مناطق ذات غالبية فلسطينية في إسرائيل، وإلحاقها بالدولة الفلسطينية، وهذه وتلك تعد نوعاً من إضافة التقسيم الأرضي إلى التقسيم الديمغرافي.
غريب، نوعاً ما، أن يبدو الموقف والقرار الفلسطيني مستقلاً أكثر من حال دول عربية مستقلة، وأن يكون الصمود الفلسطيني أحسن حالاً من صمود أنظمة عربية كانت تزاود على النضال وعلى الموقف السياسي الفلسطيني.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أربعة عقود، ثلاث هزّات أربعة عقود، ثلاث هزّات



GMT 15:17 2020 الأربعاء ,12 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ١

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 18:43 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

ديكارت ومحافظ البصرة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج

GMT 03:07 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

أفكار بسيطة تساعدك على تصميم حمام رئيسي رائع

GMT 00:55 2019 الأربعاء ,09 كانون الثاني / يناير

حكومة أم حلبة ملاكمة لبنانية؟
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya