بقلم : حسن البطل
صغاراً كنّا، في السنوات الأولى من مرحلة الدراسة الابتدائية ـ الأساسية، كنّا نتشاطر في حلّ أُحجية جملة قراءة إملائية متراكبة الحروف. هاكم مثلاً: اقرأ: لو مات لو لو لو لو لولو، حل الأُحجية هكذا: لو مات (الكلب) لولو لناحوا عليه.. و"ولولولو"!
كبرنا، صار أسهل حل أُحجية قراءة، مثل: عو عوو (دون الألف) في الأُحجية الأولى الذكية، والثانية السمجة. فكيف نحوّل النياح (والعواء) السياسي ـ الأيديولوجي إلى فيزياء سياسية مسلّية؟
بسرعة أقرأ الأخبار والمقالات السياسية في الجريدة، وآخر الليل أتسلّى في حلّ أُحجيات صفحة التسلية. قط لا أقرأ الأبراج، وأنبو عن شبكة "سودوكو"، وأنصرف إلى باقي الشبكات الأربع للتسلية. هذه عادتي المسائية لأغفو وأنام بعيداً عن سفاسف السياسة وكوارثها معاً!
ثمة سفاسف سمجة، لا ترقى إلى أُحجية، تخلط التوراة بالأنثروبولوجيا (الإناسة) والادعاءات التاريخية بالحقائق الراهنة، وحق تقرير المصير بشقي الأمن الإسرائيلي الديمغرافي والجغرافي.
نعرف أن الإنسان الحالي هو سليل تناكح إنسان نياندرتال، وإنسان هومو سابين (العاقل ـ منتصب القامة)، يعني: "إنا خلقناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا". الفلسطينيون يتزاوجون من شعوب العالم أينما حلّوا ورحلوا وتشرّدوا ويبقون فلسطينيين.
آخر القرن المنصرم، في ولاية كلينتون، حلّوا "جينيوم" الخارطة الوراثية للبشر، وجاء فيها أن الفلسطينيين العرب واليهود العرب متقاربو الجينات بنسبة عالية، دون ذكر اليهود الخزر واليهود الفلاشا.. وما هبّ ودبّ!
بلاش حكاية "أولاد عم" وكذا قول شاعرنا القومي: "يا ابن أكثر من أب!" و"دوشة" العرق الآري والسّامي. من تحليل حمض نووي لعظام تعود إلى 3000 سنة، قالوا إن الفلسطينيين القدامى وفدوا الى أرض البلاد من جنوب أوروبا، وأن الفلسطينيين المعاصرين، في زعم إسرائيلي، جاؤوا البلاد من الجزيرة العربية، لكن "الشعب اليهودي" سكن البلاد من 4000 سنة، كما ادّعى نتنياهو!
استنتج بيبي ابن المؤرخ التوراتي بن تسيون أن الأصيل هم، والدخيل نحن.. هذه ثرثرة من سليل حركة صهيونية شعارها: "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض" وحركة إسرائيلية شعارها: "للأردن ضفتان أولاهما لنا وثانيهما لنا". سريعاً، ضابط أمني سابق صار مؤرخاً وسّع أسطورة "من النيل إلى الفرات"، ومدّها إلى مكّة. يُقال إن كسرة من حطام جرّة قديمة ترسم خارطة تشمل مكّة، وهي على أحد وجهي عملة العشر أغورات. كيف عرفوا أن الجرّة يهودية؟ وشبّه لهم أن حطام الجرّة يرسم خارطة!
إسرائيل "استلبست" التاريخ والجغرافية وعلم الآثار والتراث، وها هي تحاول استلباس الديمغرافيا والأنثروبولوجيا معها.
تعرفون حكاية الذئب أعلى النبع والحمل أسفله، وذريعة الذئب أن الحمل يعكّر عليه صفو الماء. الذئب "يعوي" مدّعياً، مثلاً، أن بناء ضاحية جديدة في نابلس يهدّد ديمغرافيا وأمن مستوطنات إلى جوارها.. وليس أن المستوطنات تحاصر المدن الفلسطينية.
كتب شلومو ساند عن "اختراع الشعب اليهودي"، و"اختراع أرض إسرائيل"، و"لماذا لم أعد يهودياً؟".. وهاجر، تاركاً غيره "يعوعو" عن الأنثروبولوجيا، وضابط متقاعد عن حدود أرض الميعاد التي تشمل مكّة.. و"خيبر خيبر.. يا يهود" إلخ!
مستوطنو المنطقة (ج) في الضفة شكّلوا حركة "رغبيم" للشكوى من مخطط السيطرة الفلسطينية عليها، الذي وضعه سلام فياض، وهي منطقة تشكل 60% من مساحة الضفة، ولكن المستوطنات فيها تسيطر على 2.0%، وأن البناء غير المصرح للفلسطيني فيها تضاعف بين العامين 2006 ـ 2018 رغم حملات الهدم، وأن السلطة تقوم بزراعة مئات آلاف الدونمات فيها!
تحت جُنح الظلام تقوم هذه الحركة، وتحت شعار "دولة فلسطينية خلف الزاوية" بنشاط بعضه طريف، ومنه زرع أعلام فلسطينية على أعمدة شوارع في المنطقة (ج) الطريف أن زعيمها سموتريتش فوجئ، وعضو الكنيست أوري حزان قال: هذه وقاحة من "السلطة"، أن تعلق "أعلام العدو" في منطقة بوسط إسرائيل.. حان الوقت لإيقاف الغزو الفلسطيني ومشروع فياض بالأفعال لا بالأقوال؟!
في مثل هذا الشهر، من بداية حقبة أوسلو، فقدنا الشاعر، ورئيس بلدية الناصرة، وعضو الكنيست توفيق زياد في حادث سير على طريق أريحا ـ القدس. هو من قال: "باقون على صدوركم" وعن الفدائيين "أبوس الأرض تحت نعالكم"، وبعد حرب اكتوبر 1973، قال: "جميع أساطير العهد النظري عن الشعب الأرقى والشعب الأدنى انهارت في نصف نهار".
كيف كانت الحال العربية والفلسطينية قبل أوسلو، وكيف صارت بعد الانهيارات العربية، والعربدة الإسرائيلية؟ لكن الحالة الفلسطينية السياسية والديمغرافية تشكل ما يشبه الحصوة التي تسند ما تبقّى من حالة الانهيار العربية، وتمنع إسرائيل من تحقيق "ارضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل".
لن تتكرر هجرة وتهجير النكبة، ولا نزوح النكسة. العرب لا يريدوننا عندهم، وإسرائيل لا تريدنا "عشرون مستحيل في اللد والرملة والجليل".. والضفة والقطاع، أيضاً.
إيران
عالم فيزياء إسرائيلي "منوبل" قال ما معناه إن مشكلة إسرائيل مع إيران ليس في القنبلة النووية، لكن في أن كل عالم فيزياء إسرائيلي يقابله عشرون عالم فيزياء إيراني. صحيح أن إيران تبدو "دولة شريعة" إسلامية، لكن إسرائيل تصير "دولة شريعة" يهودية، إذا حازت إيران "القنبلة" تنتهي حروب إسرائيل المنتصرة على جيوش الدول المجاورة.
حسن البطل