«ميم»

«ميم»

المغرب اليوم -

«ميم»

بقلم : حسن البطل

الـ «ميم» أوّل أبجدية الصوت والـ «ألف» أوّل أبجدية اللغة. وعلّمتني «ميم» شيئاً من بلاغة اللغة العربية: «قل لسهيل إن سهيلاً أقرب إليه من مريم».
عندما حضر الموتُ الشاعر مالك بن الريب (إن أخطأت باسمه فلي أجر واحد) أوصى صحبته!
- أن يخطّوا حدود قبره برماحهم.
- أن يجعلوا قبره فسيحاً يسعه وسيفه ورمحه.
- أن يديروا رأسه في قبره باتجاه النجم سهيل، حيث مضارب القبيلة، أو النجم الهادي لذلك الشاعر «المخضرم» في نجعاته وغزواته من بطن جزيرة العرب إلى برّ الشام.
«سهيل» كان زميلي وكان أجمل مني، ومريم الأروادية أجمل (بحق الفتوة وبحق الحُسنى) من أمّي مريم زيدان، حفيدة ظاهر العمر الزيداني.
أنا حسن بن مريم منذ ولدتني أمّي مريم إلى أن يأخذني رحم الأرض. أحمل اسماً هو صفة للشطارة. لكنني «تيّست» رغم نصائح أمّي مريم ورجائها الحار: «اترك العلوية وخذ الشلبية». كانت «سين» إسماعيلية ولم تكن «علوية».. ولم تكن «شلبية» مثل «ميم»، إحدى أجمل جميلات جامعة دمشق أواخر الستينيات.
لم أتزوّج «سين» لأنها رفضت الزواج منّي، ولم أتزوّج «ميم» لأنّني رفضت الزواج منها.
كانت «سين» تحبّ لغتي (أي أفكاري)، أما «ميم»؟ فقد جعلت الدم ينفر من وجهي خجلاً أو فخراً. اجتازت امتحان الصوت بسهولة. اجتازت امتحان الإلقاء السليم باللغة العربية، فهي طالبة «اللغة العربية وآدابها».. وجاء دور امتحان التعبير.
قالت لي، قبل أن تُصبح نجمة برامج التلفزيون السوري: عندما أقف على شاطئ جزيرة أرواد أراك على شاطئ مدينة طرطوس؟ كنت أحبّ ذكاء «سين» التي تقرض الشعر. في المباراة بين الذكاء والجمال انحاز عقلي إلى الذكية وخان قلبي أجمل الجميلات.
سأكتشف، متأخّراً، أن ذكاء القلب هو الأول والأولى، وأن قلب «ميم» كان الأذكى.
- كيف ترينني من جزيرة أرواد إذا كنتُ على شاطئ طرطوس؟.. ونحن في الشام؟
- حركة يمناك مثل مجداف. تبدأ الحركة من جهة القلب ثم تتموّج، كما يرتطم موج البحر بالشاطئ.
وفي اختبار التعبير لمذيعات البرامج التلفازية، وضعت مريم باطن كفّ يدها اليمنى على قلبها.. ثم قلّدت هذه الحركة التي تحبها، مثلما يطوي المركب موجات البحر. نفر الدم من وجهي. جاءت «ميم» الأولى على المتسابقات.
كانت «ميم» تعرف أنني أحبّ «سين» وكانت «سين» تعرف أن «ميم» تحبّني.. وكانت أمّي مريم، عندما يبدأ برنامج «ميم» تلتفت إليّ بنظرة عتاب: «يمّا..» وأنا أتولّى إكمال اللازمة «خذ لك الشلبية واترك العلوية».
الـ «ميم» أوّل أبجدية الصوت، والـ «سين» سرّ المعادلات الجبريّة، وللسان أن يُبحر في أبجدية الصوت، وللعقل أن يُبحر في أبجدية معادلات أخرى. وللقلب أن يضلّ عن الهوى في الهوى!
كان يصعب أن نجلس معاً على انفراد في كافتيريا الجامعة. كان يصعب أن نسير على انفراد في حديقة الجامعة.. لا يتركني «الشباب المثقّفون» لشأني، ولا تتركها البنات لشأنها. هؤلاء يُصافحونني - أوّلاً - وينسونني.. وهؤلاء يُصافحنها - أوّلاً - وينسينها. تُحاصرها «رقصة» الذكور وتُحاصرني «رقصة» الإناث.
لعلّ طنين ذباب الذكور وذباب الإناث أقلّ في حديقة «سكن الطالبات». مثل شلاّل ماء رقراق تدحرجت «ميم» إلى ردهة الاستقبال، أو «كرجت» درجات السلّم مثل شلاّل ماء، وبكلّ ما في «ذكاء القلب» صاحت: «قطعت حمّامي لأراك».
يانعة مثل حبّة البندورة في أوج نضجها، أو أن هذا لون الحياء، أو أن المنشفة الخضراء التي تكلّل رأسها المبلّل جعلت رأسها مثل سرّة النبات الخضراء. عرق الحياة يسقي الثمرات رطوبة الأرض.
- «قالت لي أمّي»!
- أعرف ما تقوله لك أمّك.
- ما أدراك بما تقول أمّي؟
- «قالت لي العصفورة» بماذا تقول لك أمّك!
* * *
«سهيل» الذي في السّماء يبقى نجماً ثاقباً في السّماء. وسهيل العاشق الذي على الأرض تاه في الأرض، والـ «ميم» يبقى أوّل أبجدية الصوت.. والشاطر حسن يبقى اسماً من الأسماء بلا صفة الشطارة و»مريم» أمّي صارت تشيح بوجهها عني كلّما داعبتها: «يمّا يا ولدي خُذ لك الشلبية».
بعد ثلاثين عاماً اكتشفت أن حرف «الميم» قد يكون أوّل ثُغاء القلب. صورتها تبقى صورتها. ضحكتها تبقى ضحكتها.. لكن حركة اليد من القلب الى الافق مثل موجةٍ أخطأت شاطئاً وتبحث عبثاً عن شاطئ.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«ميم» «ميم»



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya