شيفرة الكون

شيفرة الكون

المغرب اليوم -

شيفرة الكون

حسن البطل
بقلم : حسن البطل

الشّاعر الألماني «المنوْبَل» غونتر غراس يسأل، وأكثر من تسعة آلاف عالم يحاولون تلمّس جواب السؤال. سؤال الشاعر، بعد تقريبه وصياغته، أقرب إلى التالي: هل نحن في بيضة؟ وهل السماء سقف البيضة الداخلي؟.. وماذا إنْ لم تفقس البيضة؟

.. لكن البيضة (وكانت في حجم قطعة نقدية صغيرة، كالشيكل مثلاً) فقست قبل زهاء 14 مليار سنة. يسمّون هذه الفقسة (الانفجار الأعظم Big Bang) كانت البيضة (دعكم من بيزنطية السؤال: البيضة قبلاً أم الدجاجة) خرافية الكثافة والوزن، فيما يشبه مجالاً مفرغاً.
إنْ كانت البيضة خرافية الكثافة والوزن، وعلى هذه الضآلة في الحجم، فكيف ولّد الانفجار الأعظم كل هذه الكواكب، النجوم، المجرّات؟ علماً أنه لا يحصرها عدّ.. ومع هذا، فهي تشكّل لا أكثر من 4% من حجم الكون، بينما تشكّل المادّة السوداء (أي الثقوب السوداء المهولة وغير المرئية، لأنّها تجذب حتى ضوءها) حوالي 23% من حجم الكون الافتراضي، الطاقة السوداء (المسؤولة عن تمدّد الكون تمدداً لا نهائياً) تشكّل 73% من حجم الكون؟

يمكن تقريب الجواب بمقارنة، غير حاسوبية بالتأكيد، بين حجم الحوَين المنوي الذي يفجّر البويضة.. وبين حجم الإنسان أو الديناصور الكبير. لكن، المعادلة تبدو أبسط وأكثر تعقيداً، واختصارها: تحويل الطاقة (ط) إلى كتلة (ك). سرعة الضوء هي مقياس المسافات الكونية، ووزن النور والضوء هو الاكتشاف الفيزيائي الجديد.

محاكاة حاسوبية لولادة الكون؛ ولادة انفجارية، لا تعود إلى الثانية الأولى (بها بدأ الزمان السرمدي) بل أقرب زمن ممكن، أي 380 ألف سنة بعد الانفجار الأعظم، وهي في عمر الكون تقارب الزمن اليسير بين ولادة الطفل من رحم أمّه.. وصرخته الأولى، أي شهيقه الأول.

كم الإنسان قريب - بعيد عن مبادئ التشخيص البسيطة: الخط والخاتم والبصمة. الآن، البصمة لا تعني طبعة الأصابع، بل قزحية العين. منذ متى اعتمد الأمن الجاري على قزحية العين؟ منذ ثماني سنوات، عندما توصلوا إلى خارطة جينية للكائن الأعلى - الإنسان.

.. الآن، بصمة (الانفجار الأعظم).. بسيطة؟ ما الأمر إلاّ تطوير لقانون (المادة لا تُفنى ولا تولد من عدم). الطاقة مادة تتجسد في الكتلة. الثقوب السوداء تبتلع (جثث) المادة، لكنها تولد مجرات، وهذه المجرات تولد شموساً. مجرّتنا تلد أربع شموس كل سنة، ومجرّات أخرى تلد أربعة آلاف شمس في السنة.

الخوف القديم من (تؤلف ولا تؤلفان) توارى، وجاء الخوف الجديد من اللعب في الجينات، وتلاه الخوف المهول من محاكاة لحظة ولادة الكون، أي من توليد ثقب أسود في ذلك النفق التجريبي في جبال سويسرا، من شأنه أن يشفط ويبتلع الأرض.

هل تعرفون ممّا أخاف أنا؟ ليس من مقاربة جواب فلسفي طرحه جان بول سارتر في كتابه الشهير (الوجود والعدم)، حين تحدث عن (الوجود السابق لوجوده؟).. بل عن فرضية سؤال مهول.. وهو: ماذا إذا كانت البيضة المولِّدة للكون السحيق، الذي تمدّد بسرعة الضوء منذ 14 مليار سنة ضوئية، ليست هي الوحيدة، وإنّما هناك بيوض أخرى تنتظر انفجارات عظمى أخرى، تولد أكواناً أخرى؟

العلم الحديث لا يتحدى نظرية الخَلْق الدينية السائدة (علماء مسلمون قالوا في تفسير الانفجار الأعظم بما جاء في القرآن الكريم عن «الفتق والرتق»).. لكنه يحاول مقاربة فهم نشوء الكون عساه يقارب السؤال عن مصير الكون. مصير الإنسان، فرداً ونوعاً، محسوم. المقاربة بين ولادة الأرض وولادة الإنسان تبتعد، لأن النوع الإنساني عابر في حياة هذه الأرض، التي هي عابرة في حياة هذه المجموعة الشمسية، التي هي عابرة في حياة المجرّة.

يفترض بعض العلماء أنّ الأرض أصابها رذاذ سديم كوني من انفجار كوني ثانوي وصغير، حمل إليها بذرة الكربون 14، الذي يتشكّل من حياة عضوية.. أي أن أشكال الحياة هبطت إلى الأرض، أو هبطت إليها بذرة الحياة.

الحياة بدأت على الأرض بكائنات تُسمى وحيدات الخليّة، وهي هشّة جداً.. لكن، بعد مليارات السنين وجدوا (بصمتها) الكيميائية في الصخور النارية.

ظاهرياً؛ يبدو أنّ علم الفضاء هو سَفَر في المستقبل، لكنه أيضاً، سَفَر في الماضي السحيق.. وهذا السفر يفسّر ذاك السفر، والاثنان يفسّران توق الإنسان إلى معرفة جواب السؤال: من أين أتينا (من الحوَين والبيضة بالتأكيد)، لكن من أين أتى الحوَين؟ من الانفجار الأعظم.

تبدو روايات وأفلام الخيال العلمي مشوّقة، لكن، كما قالوا، إنّ ذرّة الرمل تفسّر الصحراء، فإنّ بويضة الانفجار الأعظم تفسّر الكون، وهذا يفسّر الحياة، التي تحاول، بعقل الإنسان، تفسير الحياة والكون معاً.

متى بدأ الانفجار العلمي؟ بالتأكيد منذ التدوين، لكن بالتأكيد منذ تفليق الذرة.. والآن محاولة فهم الكون من حيث النشأة والمصير، باعتبار الكون ذرّة كبيرة كانت بويضة خرافية.. وانفجرت!.
 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شيفرة الكون شيفرة الكون



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 19:20 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الجدي

GMT 06:36 2018 السبت ,08 أيلول / سبتمبر

تمتع بمغامرة فريدة في أجمل مدن "مولدوفا"

GMT 11:44 2017 الثلاثاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

المؤجلات… موت التشويق

GMT 22:25 2015 السبت ,12 كانون الأول / ديسمبر

المانجو فاكهة النشاط والتفاؤل

GMT 15:47 2018 الثلاثاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أفكار مميزة لتجديد حديقة منزلك بدون تكاليف في الشتاء

GMT 18:25 2018 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

لمسات بسيطة تضفي مزيدًا من الجمال على شرفات منزلك

GMT 05:02 2017 الجمعة ,29 كانون الأول / ديسمبر

شخص يضرم النار داخل مسجد أثناء صلاة العشاءفي شيشاوة

GMT 23:52 2017 الأربعاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

متصرفو المغرب يعتصمون أمام وزارة المال في الرباط

GMT 14:10 2017 الأحد ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل بشعة تهزّ حي التقدم في الرباط

GMT 21:47 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

إيقاف عداء مغربي لأربعة أعوام بسبب المنشطات

GMT 18:28 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يواجه الدفاع الجديدي في الرباط رسميًا

GMT 21:04 2017 الجمعة ,08 كانون الأول / ديسمبر

أولمبيك خريبكة يستعيد نغمة الانتصارات ويؤزم وضعية تطوان

GMT 20:54 2016 الإثنين ,14 آذار/ مارس

إنشاء 3 شواطئ صناعية في كورنيش مدينة الناظور
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya