سعيد

سعيد

المغرب اليوم -

سعيد

بقلم - حسن البطل

أرمقه خطفاً، ويتملاني بعينين صريحتين. للموناليزا ابتسامتها الغامضة، ولأخي على الجدار الحجري عينان صريحتان. مسدسه كان صريحاً جداً. طالما حذرني من خطورة لمس مسدس «سميث آند ويسّون». سرق الرفاق مسدسه وأعطونا جثته. رقد سعيد، أصغر إخوتي، الى جانب أبي، مصباح، الذي رقد الى جانب جدي حسين. ثلاثة قبور، في المنفى، للجد والأب والابن، (ولعلهم أرقدوا أمّي، مريم، الى جوارهم في مقبرة دوما).

صورة الشاب فدائياً على الجدار. الزوار يسألون عن «نجمة غيفارا» على قبعته. يقولون: أعطاك عمره. أعطاه جدّي عينيه الملونتين الصريحتين، وأعطاني أبي عيني البنيتين. ولا أي بنت، أو حبيبة، أو زوجة رأت الصراحة في عيني!

المقاتل الشاب حذرني: لا تعبث يا أخي مع «سميث آند ويسون». أصابعك رشيقة على القلم... والفتى شاباً حذرني، بعد حزيران 76، في ساحة العباسيين بدمشق، من مرافقته ورفيقه أبو العبد، الى مكتب التطوع الفدائي. قال: قدمك ثقيلة لأن سمعك ثقيل. اذهب وقلمك الى جهاز الإعلام.

عيناه الصريحتان تأخذاني الى صورة الطفل والفتى. والصور الأربع للمقاتل، للشاب للفتى والطفل، تأخذني الى رثاء شاعر صعلوك لأخيه الأثير:

«كان لي أخ وكان يعينني على نائبات الدهر حين تنوب».

«حليف الندى، يدعو الندى فيجيبه، سريعاً، ويدعوه الندى فيجيب»

.. وكنت أسأله عن النهر، فكان يجيبني: يا له من نهر قميء ومهرول! بماذا أجيبه، بعد أن عبرت الجسر سلماً؟ صورتك، مع «نجمة غيفارا» كانت من زاد «العودة»؟ عبرت الجسر لاحقاً بسترتك البحرية الرياضية (في لون جوهرة «قلب المحيط» في فيلم تايتانيك)؟ سأقول له: عيناك الصريحتان صارتا أكثر  صراحة. قلمي الرشيق صار أكثر رشاقة. منحوك، بعد موتك، نجمة أخرى، ومنحني قلمي (الذي طردته أنت الى جهاز الإعلام) جائزة فلسطين للمقالة.

سعيد يعرف ما لا يعرفه قرّاء عمود يوم الجمعة. قلمي مثل زناد مسدسك «سميث آند ويسون». مسدس بكرة بلا زر أمان. قلم سيّال يأخذني من نور عينيك الصريحتين في صورتك فدائياً (أو يأخذني من عضلة ذراع أبيك عندما يتوضأ).. ولا يتوقف. كيف تكتب؟ ضغطة خفيفة على الزناد.

لا يعرف الفدائي كيف يتطور الكمين الليلي، ولا يعرف الصحافي كيف تتطور كلمات عمود الجمعة. مريم، أمّنا نحن الإخوة الأربعة، تعرفنا من «القماط» الى التابوت، ومن الولدنة الى الأبوة والجدودية.. أنا أعرفك أنت، سعيد، أكثر من أخوينا الكبيرين، لأنك «حليف الندى»،

ولأن حسين، تركه مصباح، والدنا، وعبد الرحمن، أخونا.. جريحاً تحت شجرة الكينا في الكبابير على سفح الكرمل. حضر الجريح، الأسير، بعد عشر سنوات من النكبة متسللاً.. وبقي أخاً غريباً، وسافر الأخ عبد الرحمن ليعمل مع «أرامكو» بالسعودية.. وبقي أخاً غائباً - حاضراً.

بقيتُ وسعيد «زوج زغاليل». أباطحه، فيجندلني أبي ليبطحني أخي. أسابقه على التهام «حزوز» البطيخ.. فيؤازره أبي في السباق. في المساءات نتبارى في سرعة ارتداء ملابس النوم.. فأجد أمّي قلبت أكمام البيجاما ليسبقني سعيد.

ربما كنت، أنا صاحب القدم الثقيلة والأذن الثقيلة، سأسبقه الى الموت، لولا انه دفعني وقلمي الرشيق: «روح على الإعلام أنت وقلمك، مَن يحتاجك في الكمين الليلي».

كان أبي يداعب أخي «سعيد أبو القرنين». جرح غائر فوق جبينه الأيمن (عندما انقلبت، في الرحيل عن الطيرة، سيارة العيال والنسوان على كوع حاد قرب سيلة الظهر). وجرح غائر آخر فوق جبينه الأيسر (عندما طوحت بحبال الأرجوحة عالياً.. فسقط سعيد).

عاد حسين، شقيقنا الأكبر، فأعطى سعيد لقب «أبو مشهور». قال إنه يشبه صديقه البدوي «الجدع» في نقب فلسطين.. وعندما بدأ «عصر الأبوات» الفدائيين كان سعيد مستعداً له بلقبه. ثلاثة أشقاء محاربين.. ورابع صحافي!
***
.. عندما انقلبت سيارة الفدائيين المسرعة، مات أبو مشهور، لأن «القرن الثالث» كان جرحاً غائراً وراعفاً في الرأس. أعطونا جثته.. وأخذوا مسدسه.

كان أقنوم أمّي: «الصغير حتى يكبر. المريض حتى يشفى. الغائب حتى يحضر». كنتُ على سفر فلم أحضر موت أخي الصغير. كنت في البلاد فلم أحضر موت أمّي. أهديتُ قبرها حفنة من تراب طيرة حيفا. على الجدار صور ثلاثة موتى: أبي وأمّي وأخي.. ومسبحة العقيق اليمانية (99 حبة) قسمتها أمي الى ثلاث مسابح (33 حبة).

العقيق غامض.. وللصورة عينان صريحتان!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سعيد سعيد



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya