إيران تتراجع نفاوض بلا شروط

إيران تتراجع: نفاوض بلا شروط!

المغرب اليوم -

إيران تتراجع نفاوض بلا شروط

بقلم : راجح الخوري

انفجرت يوم الخميس الماضي موجة جديدة من الاحتجاجات الغاضبة في طهران والمدن الإيرانية الأخرى، وأُحرقت صور المرشد الإيراني علي خامنئي، احتجاجاً على الأوضاع الاقتصادية المتردية، التي تزداد حدة في ظل العقوبات الأميركية، التي يبقى 5 أيام على موعد بدء المروحة الجديدة منها، التي يهدد الرئيس دونالد ترمب بأنها ستكون أقسى من الأولى؛ لأنها تشمل تصفير تصدير النفط وخنق النشاط المصرفي، ولكن النظام المقطّب كان يستعير الأقنعة الضاحكة، تحديداً وجه وزير الخارجية محمد جواد ظريف، الذي أعلن يوم الثلاثاء الماضي أن طهران مستعدة للانخراط في مفاوضات مع الإدارة الأميركية وليست لديها أي شروط مسبقة، لكن في إطار من الاحترام المتبادل!
ولكأن القصة قصة احترام، لا قصة «دزينة» من الشروط والمطالب الأميركية الخانقة، التي تقول واشنطن إن الهدف منها تغيير سلوك نظام الملالي. طبعاً لا معنى لقول ظريف إن عددا من الدول يواصل علاقاته الاقتصادية مع طهران رغم العقوبات الأميركية، وإن بلاده ستتمكن من التغلّب على هذه العقوبات، فلو كان هذا الكلام صحيحا لم تكن إيران تطلب التفاوض من دون شروط مسبقة!
وماذا يعني «من دون شروط مسبقة»؟
طبعاً... يعني أنها باتت مستعدة للبحث في قائمة الشروط والمطالب الأميركية، بعدما كانت تكرر في الأشهر الماضية أنها لا تقيم وزناً لهذه الشروط، ففي 13 أغسطس (آب) الماضي كان المرشد علي خامنئي قد أعلن أن الأميركيين يتحدثون بشكل سافر عن إيران، فإلى جانب العقوبات يلوّحون بالمفاوضات وباحتمال نشوب حرب، ولكن لن تكون هناك حرب ولن نتفاوض معهم!
وكان من الواضح دائماً أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يتعامل مع إيران كما تعامل مع كوريا الشمالية، عبر تطبيق نظرية جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأميركية أيام الرئيس دوايت إيزنهاور، التي تقول: «لوّح بعصا غليظة وتحدّث بصوت خفيض»، ربما على افتراض أن ما نجح مع كيم جونغ أون، يمكن أن ينجح مع ملالي طهران، وخصوصاً بعد استفحال الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى نشوب اضطرابات متزايدة في الشارع الإيراني.
وفي هذا السياق، واصلت واشنطن ضغوطها على الشركات الأوروبية، التي راحت تتخلى عن عقودها مع الإيرانيين، التي لا تتجاوز قيمتها 400 مليار دولار، وتغادر طهران كي لا تخسر حصتها في الكعكة الأميركية، ذلك أن قيمة التبادلات التجارية مع واشنطن تصل إلى 18 تريليون دولار، وفي موازاة هذا اقترح ترمب في 30 يوليو (تموز) الماضي عقد لقاء مع الإيرانيين على خلفية 3 رهانات: الأول رغبته في دفعهم إلى الموافقة على عقد اتفاق نووي جديد، ولكن وفق شروط أميركية ملزمة ومتشددة، والثاني ميله إلى عدم إحراج شركائه الأوروبيين الذين وقّعوا الاتفاق السابق مع إيران عام 2015، وعدم دفعهم إلى الزاوية عبر خسائر شركاتهم العقود الموقعة مع طهران، والثالث سعيه الواضح إلى تعميق الشرخ الذي كان يتسع بين الإصلاحيين الإيرانيين والمتشددين الذين حمّلوا حكومة روحاني مسؤولية الأزمة الاقتصادية ودفعوه إلى إقالة بعض وزرائها!
الإيرانيون رفضوا عرض ترمب يومها، لكنه عاد وكرره في سبتمبر (أيلول) الماضي عندما اقترح أن يلتقي حسن روحاني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، لكن روحاني حاول إحراجه في عقر داره عندما قال لـ«CNN» في مقابلة مع كريستيان أمانبور، إن طهران لم تطلب أبدا اللقاء مع ترمب، بل إنها تلقّت حتى ذلك الحين 8 طلبات من مسؤولين أميركيين لم يكشف عنهم لعقد اللقاء.
هنا تولى وزير الخارجية مايك بومبيو ردّ الصاع إلى روحاني، بالقول إن ترمب سيقبل اللقاء معهم، إذا برهنوا عن التزام فعلي بالقيام بتغييرات جوهرية، وعلى تغيير سلوكهم الخبيث، ووافقوا على التزامات فعلية تمنع في الواقع انتشار الأسلحة النووية، وأيضا على إنهاء تدخلاتهم الإقليمية ودعمهم الإرهاب، وفي موازاة ذلك تعمّد ترمب في خطابه أمام الأمم المتحدة، أن يرفع وتيرة اتهاماته لإيران عندما وصفها بأنها ديكتاتورية فاسدة، وأن نظامها المتطرف يزرع الفوضى والدمار والموت، وأن على العالم عزل هذا النظام، قائلا: «لا يمكننا السماح لأكبر دولة راعية للإرهاب في العالم، بأن تمتلك أكثر الأسلحة تدميرا في العالم»!
الآن بات من الواضح أن كل رهانات إيران على التملص من العقوبات الأميركية قد سقطت، فالدول الأوروبية ليس في وسعها إنقاذ الاتفاق وتجاوز الآثار الثقيلة للعقوبات الأميركية، فقد غادرت عشرات الشركات الكبرى طهران كي لا تقع تحت طائلة هذه العقوبات.
وسبق لمحمد جواد ظريف أن تخبط في مواقف متناقضة حول هذا الموضوع. أولا عندما قال إن الدول الأوروبية لا يمكنها أن تلزم شركاتها بأن تبقى في إيران، وإن الولايات المتحدة وضعت يدها على الشريان الحيوي للاقتصاد الإيراني، وثانيا عندما وصل إلى حدّ التهويل على الدول الأوروبية في 18 أغسطس الماضي بالقول إن الإجراءات التي اتخذتها العواصم الأوروبية لإنقاذ الاتفاق النووي هي مجرد إعلان مواقف أكثر منها إجراءات عملية.
ووصل به الأمر إلى حدود التهديد ضمناً بقوله: «يعتبر الأوروبيون أن الاتفاق النووي إنجاز أمني بالنسبة إليهم، وبطبيعة الحال على كل بلد الاستثمار ودفع ثمن أمنه، ونعتقد أن أوروبا ما زالت غير مستعدة لدفع هذا الثمن»… غريب، لقد بدا هذا الكلام وكأنه تهديد بالتخصيب النووي ومحاولة إيرانية سافرة لابتزاز الأوروبيين!
ثانيا سقطت الرهانات على إحداث تغيير في موقف ترمب من الداخل، عبر تحركين نشيطين في شكلٍ متوازٍ، ذلك أن ريكس تيلرسون وزير الخارجية السابق القادم من عالم النفط، كان ميّالاً إلى ترتيب الأمور مع طهران ولم يماشِ سياسات ترمب المتشددة ضدها، وهذه من الأسباب الجوهرية التي أدت إلى إبعاده، وعندما خلفه مايك بومبيو القادم من عالم الاستخبارات، والذي يزايد على ترمب في تشدده حيال النظام الإيراني، سقطت فرضية تأثير وزارة الخارجية في قرار البيت الأبيض حيال طهران.
في موازاة ذلك، كان وزير الخارجية الأسبق جون كيري الذي يعتبر نفسه مهندس الاتفاق النووي إلى جانب باراك أوباما، ينخرط في مفاوضات سرية ووضع خطط سياسية مع الإيرانيين مباشرة، لتحريك لوبي داخلي يؤثر على قرار ترمب، لكن الأمر توقف تحديدا في 7 مايو (أيار) الماضي، عندما أعلن ترمب «أن كيري لم يستوعب أنه أخذ فرصته وأخفق، نحن لا نحتاج إلى دبلوماسية الظل، كيري... ابقَ بعيداً. أنت تؤذي بلدك، فلقد كنت من صانعي الفوضى»!
ثالثاً الرهان الإيراني على أن يُنهك الوقت سياسة ترمب، سقط أيضاً، فها هو ترمب يدخل الانتخابات النصفية بفرص جيدة لبقاء الأكثرية الجمهورية في الكونغرس، من منطلق أنه نجح في الملف الكوري الشمالي، ويحقق نجاحاً مثيراً على الصعيد الاقتصادي، من خلال مواجهة الصين، وإضاءة الضوء الأحمر في وجه فلاديمير بوتين، عبر التلويح بالانسحاب من معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة، ما يتجاوز القول إن موسكو تدخلت لمصلحته في الانتخابات الرئاسية.
على خلفية كل هذا، وبالتوازي مع استفحال الأزمة الاقتصادية، ها هي إيران تذعن عارضة التفاوض من دون شروط مسبقة وضمن احترام متبادل، بما يعني ضمناً أنها لا تشترط المحافظة على نص الاتفاق النووي، الذي يطالب ترمب بتعديله جذرياً، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا، بل يصل طبعاً إلى «دزينة» من الشروط التي كان مايك بومبيو سردها منتصف شهر مايو الماضي. وأهمها وقف التخصيب النووي تحت رقابة دولية صارمة، وقف تطوير الصواريخ الباليستية، وقف دعم الإرهاب والميليشيات المؤيدة لها في المنطقة، الانسحاب من سوريا والعراق، وقف دعم المتمردين الحوثيين، وقف سياسات التدخل التي تهدد جيرانها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران تتراجع نفاوض بلا شروط إيران تتراجع نفاوض بلا شروط



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya