مجرد سراب

مجرد سراب

المغرب اليوم -

مجرد سراب

بقلم - لمرابط مبارك

… ثم اكتشفت الأمر بعد هذا العمر كله، وبعد كل هذه السنوات في هذه الحرفة التي تورطت في حقلها الملغوم بسبب “حادثة سير” أخرجتني عن الطريق، التي كنت أحلم بالسير فيها إلى نهاية المطاف.

اكتشفت أن ما تعلمت في معهد الصحافة، من ضرورة البحث عن الخبر والتأكد من صحته، ثم العمل على نشره بكل استقلالية، ولكن بدون حياد، ليس سوى واحد من تلك الدروس التي كانت تفرض عليّ في المدرسة وأنا طفل نسخها في الفصل وحفظها في البيت، ثم استظهرها بشكل ببغائي أمام المعلم وعيني الخائفة على “التيو” البرتقالي المتربص فوق “البيرو” مثل أفعى شريرة تقفز لتلسعني عند أول خطأ في سورة “الحديد”. ثم بعد ذلك نسيانه نسيانا ثم المرور إلى درس آخر ونسخ آخر وحفظ آخر واستظهار ببغائي آخر في سلسلة طويلة كنت أعتقد أنني تحررت منها. ولكن رئيس مجلس المستشارين نبهني إلى زلتي وأكد لي أن ما اعتقدته مجرد أمنية خادعة مثل السراب. فالرجل تسبب لأربعة صحافيين دفعة واحدة في متابعة قضائية، عقوبتها تتراوح بين سنة و5 سنوات، فقط لأنهم لم ينسوا ما تعلموه، فبحثوا وتأكدوا ثم نشروا معلومة صحيحة متنا وسندا.. معلومة لا تمس لا أمن البلاد ولا تهدد سلامة المغاربة!

قد يقول قائل إن القانون التنظيمي المتعلق بتسيير لجان تقصي الحقائق، التي يشكلها البرلمان يعاقب في إحدى مواده (المادة 14) كل من نشر معلومات وصلت إليها هذه اللجان. وأقول أنا بدوري لا يجب أن تكون هذه المادة مثل سيف “ديموقليس” فوق رقاب الصحافيين، بل يفترض أن تكون وسيلة في يد فيها أيضا قدر كبير من الحكمة والتبصر. فتفرق بين النشر الذي يستجيب لحق الجمهور في الإعلام بما يجري في مؤسسة عمومية تتحرك بفضل المال العام، وبين النشر الذي من شأنه أن يتسبب مثلا في هروب من هم موضوع التحقيق أو يهدد بشكل صريح وواضح أمن البلاد أو سلامة المغاربة.

إن تحريك مثل هذه المواد التي تكون مبثوثة في عدد من القوانين المتفرقة ضد الصحافيين، الذين قاموا بما تعلموه في معاهد التكوين أو في قاعات التحرير أو في ميدان عملهم المليء بالألغام، ليس سوى عصا أخرى تلوح بها تلك الأيادي الخفية التي لا تريد توسيع هامش حرية التعبير بهذه البلاد، بل تسعى إلى تضييقه ما أمكن. والحال أن تحول هذا الهامش إلى مركز وليس فقط، توسيعه يعتبر أحد الأركان التي يقوم عليها المجتمع الحديث والدولة التي تسعى إلى الديمقراطية. وتقويضها بمثل هذه القوانين ومثل تصرفات رئيس مجلس المستشارين يعني أن هذه الدولة الديمقراطية، هذا المجتمع الحديث الذي أحلم به، سيظل مجرد سراب في هذه الطريق الطويلة القاحلة التي فرض علينا قدر أعمى السير فيها إلى ما لانهاية…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مجرد سراب مجرد سراب



GMT 06:18 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

أسئلة في الرأس والقلب

GMT 06:30 2018 الإثنين ,19 شباط / فبراير

الجذوة لم تنطفئ كليا

GMT 03:57 2018 الأحد ,18 شباط / فبراير

الجذوة لم تنطفئ كليا

GMT 08:00 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفشل المزدوج

GMT 05:23 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

الحقنة المؤلمة

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya