اللغة كائن حي

اللغة كائن حي

المغرب اليوم -

اللغة كائن حي

بقلم - لمرابط مبارك

لا أعرف إن كان ما أكنه للغة العربية هو نوع من الحب حقا. ربما هي مجرد شيء أدمنته كما يدمن غيري تدخين التبغ أو استنشاق الكوكايين. كيفما كان الحال، كلما صادفت نصا مكتوبا بعربية جميلة (جميلة وفقا لإحساسي)، يكون وقعه مثل ذلك النبيذ الجيد الذي يجعلك تغمض عينك بشكل لا إرادي، وتتلمظ مذاقه قبل أن يسري في الجسد والروح.
أقول لغة عربية جميلة وفقا لإحساسي، لأنني ياما صادفت نصوصا مكتوبة بلغة لا تحترم كثيرا القواعد التي تعلمنا في المدرسة، ولكن مع ذلك تبدو جميلة وينبعث منها دفء خاص. وياما وقعت، كذلك، على نصوص تحترم تلك القواعد (إعرابا وتركيبا وحتى قاموسا) بحذافيرها وبشكل ببغائي، ولكن تبدو نصوصا باردة منفرة لا حياة فيها.
بل أراد حظي (الحسن هذه المرة)، أن ألتقي نصوصا كثيرا بلغة دعني أسميها “برزخية”: تبدو عربية “فصحى” وهي ليست كذلك، وتبدو دارجة مغربية، وهي ليست، كذلك، أيضا.
كل هذا يُربكني حقا. خصوصا عندما يأتي الذّكرُ على موضوع الدفاع عن اللغة العربية. ولا أعرف عن أي شيء يجب أن أدافع: عن اللغة كشيء جامد مثل الحروف في كتاب قديم مغبر تفوح منه رائحة الغمولة، لا يتصفحه أحد، وإن تصفحه نفر منه وأسرع إلى غلقه والابتعاد عنه، أم عن اللغة ككائن حي، يعيش بيننا، ويكبر ويشيخ، يمرض ويصح، يبكي ويضحك، يكذب ويصدق، يحب ويكره، يخاف ويجرؤ، يراوغ ويستقيم، يتلصص على صور الآخرين في الفيسبوك ويكتب التعاليق الجادة والساخرة والفارغة أيضا.
في تقديري، جل من يتحدث عن الدفاع عن اللغة العربية، يقصد في العمق تلك الحروف الجامدة في ذلك الكتاب الذي يعلوه الغبار وتفوح من رائحته الغمولة، وإن بدوا ظاهريا عكس ذلك، مدافعين عن توسيع مجال استعمالها في المؤسسات الرسمية، متحدثين عن ضرورة “مواكبتها للعصر”.
في تقديري المتواضع، اللغة العربية ليست في حاجة إلى من يدافع عن تكريس “جمود قاموسها”، وعن “تصلب قواعدها التي عمرت لقرون”، بل هي في حاجة إلى من يغني معجمهما وتراكيبها، وهي، من خلال تجربتي المتواضعة أيضا، لينة في عمقها وتتلهف إلى كل إثراء.. وهذا لن يتحقق سوى بـ:
أولا، إطلاق سراحها، وفسح المجال لها للنزول إلى الشارع، ولقاء الناس والتلاقح مع لغتهم اليومية، ومع اللغات التي تعيش معها أو تتعايش معها على الرقعة الجغرافية نفسها (الأمازيغية، الفرنسية، الإسبانية مثلا بالنسبة إلى المغرب). فـ”تجمع” معهم في راس الدرب، و”تنمم” في الجارات والجيران، وترفع الشعارات وحتى الشتائم في “التيرانات”، وتحس بطعم الغبار في الأسواق القروية… باختصار، تركها تعيش الحياة بدل صرفها في مقررات اللغة العربية التي يستعرضها الأستاذ الملول على تلاميذ يحسونها غريبة ومنفرة مثل قريبة بدوية عجوز فقدت كل أسنانها.
ثانيا، العمل على تلقيح اللغة العربية بماء الثقافات الأخرى التي قطعت أشواطا وأشواطا على درب المعرفة الإنسانية، تماما كما كانت هي تلحقها أيام كانت تحمل لواء هذه المعرفة. ولعل السبيل إلى هذه الغاية هو تكثيف نشاط الترجمة في مختلف فروع المعارف. فمن المخجل أن يكون ما يترجم في جغرافيا مترامية الأطراف أقل مما تترجمه بلد مثل اليونان. فمن المخجل حقا أن ما تترجمه إسبانيا سنويا، يعادل ما ترجم إلى العربية منذ عهد المأمون العباسي.. مخجل حقا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللغة كائن حي اللغة كائن حي



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 14:55 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

يحذرك من ارتكاب الأخطاء فقد تندم عليها فور حصولها

GMT 22:24 2019 الثلاثاء ,02 إبريل / نيسان

كيكو كاسيا يُشيد بمستوى لوكا زيدان مع ريال مدريد

GMT 15:57 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

اتحاد طنجة يُفجّر أكبر مفاجأة في مرحلة إياب الدوري المغربي

GMT 02:05 2017 الأحد ,17 كانون الأول / ديسمبر

تكريم نسرين أمين وأشرف عبد الباقي من مجلة "نص الدنيا"

GMT 15:39 2016 الأحد ,14 شباط / فبراير

محمد جونسور وزوجته يرتديان زيًا عربيًا

GMT 10:08 2017 الأحد ,03 كانون الأول / ديسمبر

لمسات ريفية تضفي البساطة على منزل مايلي سايرس

GMT 22:30 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوم الوطن العربي يشاركون في مهرجان القاهرة السينمائي

GMT 16:10 2013 الجمعة ,11 كانون الثاني / يناير

إصنع وسادتك الخاصة جدًا في منزلك ولن تجد له مثيل

GMT 08:17 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

2206 أطنان خضار وفواكه ترد للسوق المركزي في الأردن

GMT 12:45 2016 السبت ,12 آذار/ مارس

والد ايدين هازارد يكشف سبب تراجع مستواه

GMT 07:29 2016 الإثنين ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

كوريا الجنوبية تستضيف معرض السياحة الطبية في دولة الإمارات

GMT 16:11 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

منتخب غامبيا يستدعي مهاجمه محمد باداموسي لاعب الفتح
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya