مراكش والزحف المتوحش

مراكش والزحف المتوحش

المغرب اليوم -

مراكش والزحف المتوحش

بقلم : مصطفى منيغ

بها عُرِف المغرب في شرق العرب ، حتى أصبحت اليوم هناك في حكم الأغراب ، لسبب وحيد مختار من عشرات الأسباب ، منضبط للمعنى بأدق إعْراب ،  نَأْيُ سياسة دولة المغرب عن شبيهاتها في العديد من الأقطاب ، الشرق أوسطية دون تحديد المجال أو يتم من بعض الجهات أدنى اقتراب ، لاجتناب الدخول في حكايات  تجلب على بعض المسؤولين التنفيذيين المتفرنسين المزيد من الغضب.
ليست مراكش أعرق مدينة في المملكة "القصر الكبير" أقدم منها بمراحل لكنها الأشهر بسلسلة أحداث بمجملها تم ترقيع الجلباب، على قياس دولة بَنَت نفسها بتمازج الأصلي والوافد على امتداد الأحقاب ، اجترار الماضي الدفين في أسطر أسفار التاريخ المتوفرة فيه الشروط العلمية المرصع بالنزاهة وإعادة الأمور لبداياتها الحقيقية والاحتفاظ على النصوص نفسها ككنوز معرفية لا يعتليها غبار النسيان، أو يعتريها تزوير المنبطحين لإرضاء الحكام، مهما كانت مراتب حكمهم، موجودة "على قلتها" في خزانات بعيدة كل البعد عن أعين عامة الشعب، محظوظ من يصل إلى النادر منها، يعزز مداخَلاتِه كمرجع قَيِّم شَيَّدَ هيكل مؤلفه عليها، تتداوله في الهواء الطلق الأخبار ، وتُعقد لصالحه ندوات يحضرها الكبار.
 اجترار ذاك الماضي أساسي في تركيب تحليل جِدِّي يُستعان بتفاصيله على استخراج جذور طالما اجتهد الغرب سبيل طمسها لإبقائنا حفاة عراة تابعين لأتباعه، مندسين في ثقافته السطحية حتى يُقال عنا أننا بناة حضارة "أي حضارة" ما عدا الأمازيغية، وما مراكش إلا واحدة من معالم هذه الأخيرة بامتياز، المُعَرَّضَة منذ قرون لضغوطات كي تتنكر لأصلها وفصلها ودوافع إنشائها وهي لا زالت في رحم الغيب.
... ما فكر يوسف بن تشفين بن إبراهيم بن تورفيت بن وارتقطين بن منصور بن مصالة بن أمية بن واتلمي بن تامليت الحميري في بناء مراكش إلا لتكون كتابًا كلماته منقوشة على صخر الزمن تشهد أن ابن دوار مغمور اتخذته بني "وارتقطن" مقامًا لها وحصنًا منيعًا ينطلق منه النبوغ المعزز بنموذج أراد به الداعية الإسلامي آنذاك عبد الله ياسين تأسيس دولة قوية تحمل راية الجهاد الحق الضامن عزة وشرف قبائل ثراءها مختصر في كرامتها والإبقاء على حريتها في أرض غسلها شعاع الشمس ورطَّب جوَّها صفاء نور القمر وزين معيشة أهلها التضامن والغيرة البريئة على ثقافتها الشعبية وأعرافها النبيلة ولهجتها المميزة الدائعة الصيت في مساحات تُغطي شمال غرب إفريقيا برمته مع استثناءات ما كانت ذات قيمة وقتئذ
... يترجل القائد المغوار ، الغريب المجاز والأطوار ، من صهوة فرسه الأحسن في تلك الديار ، ليدنو من عجوز معروفة في "دوار" ، للتفاوض معها عساها ترضى بيعه أرضًا فسيحة جرداء إلا من نخيل متناثرات على مسافات عشقتها الحرارة المحرقة وحنت عليها برودة الليالي الدامسة وهجرتها المياه إلا من النادر العثور عليه بعد جهد جهيد مما جعل المساحة مثوى قطاع الطرق الفارين من ملاحقة الضحايا المسلوب منهم رزقهم بالقوة والخديعة والغدر ، لتُسمى مركش ، ومعناها الأمازيغية "أسرع الخُطى حتى لا تُلاحَقَ من لدن قطاع الطرق المعروفين بقساوة جشعهم ، وخلو ضمائرهم من الرحمة ، الغير الواردة على مداركهم أنهم بشرًا مثل غيرهم ، يوسف بن تشفين لم يكن انسانًا عاديًا بل متعه خالقه بالفطنة والذكاء وعدم احتساب المغامرة مقياسًا للتراجع بالرغم مما تتستر عليه من مخاطر جسيمة ، ولولا هذه الميزة لما قاد إمبراطورية مغربية تشمل ما يزيد عن نصف الجزيرة الأيبيرية ، بما فيها من ملوك الطوائف الذين تحملوا أولًا وأخيرًا مسؤولية ضياع الأندلس من أيادي المسلمين ، لولا دهائه لما قابل تلك العجوز ليبتاع منها تلك المساحة العجيبة بتموقعها الموحش وجوها الثائر على المعتاد كما أراده الباري وقدره تقديرًا لحكمة هو أدرى بها سبحانه وتعالى ، وما رفضت العجوز بل باعت عقارها واستقلت بمصيرها إذ لا يعلم أحد ما حل بها بعد اللحظة ، بالتأكيد طمح يوسف بن تشفين الملقب بأمير المسلمين لأول مرة وهو المنتسب لذاك الدوار المغمور المحفوظ عند خليفة بغداد على ظهر قلب ليتخذه عبرة بنواة الرجولة الحقة المغروسة من صلب رجال أشاوس في تربة شريفة تمردت منذ القدم على الظلم والحيف وشروط الدخلاء المجحفة غير المعترفة كانت بأصلهم وفصلهم .
طمح يوسف بن تشفين تشييد عاصمة تخلد ذكراه ، وتبقيه ما أراده التاريخ، ذاك القائد الذي أطاعت أوامره كل القبائل المغربية طوعًا أو كراهية ، وأهل فاس ، وصفرو أعلم بما فيهما عما تلقاه من هذا الأمازيغي من عقاب تشيب من هوله رؤوس الرُّضَع، عاصمة تشع منها حضارة جامعة بين الأصالة والمعاصرة ، النظام والتنظيم، الحكمة والحكامة ، حاضر الحاضر ومستقبل المستقبل ، ما مضى وما أقبل إلى يوم ما كان به ـأعلم ، حينما تحولت إلى مسعى أثرياء الحرية البعيدة عن الحرية المغربية حتى في أوجها إن كان لها أوج أصلا ، يغدقون عليها من المسخ ما جعل الدولار متربعًا كرسي ابتياع ما كان في السابق القريب محرم حتى التفكير في ابتياعه ، كيف ؟؟؟ في الجزء التالي من هذا المقال نبدأ ما سيطول شرحه في هذا الصدد ، وأمرنا لله .   

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مراكش والزحف المتوحش مراكش والزحف المتوحش



GMT 08:20 2016 الجمعة ,29 تموز / يوليو

سُفْلَِيّ العربية في موريتانيا

GMT 01:50 2016 الخميس ,28 تموز / يوليو

باللسان أنت إنسان

GMT 06:57 2016 الأربعاء ,20 تموز / يوليو

مراكش والزحف المتوحش / الجزء الثاني

GMT 06:18 2016 الجمعة ,15 تموز / يوليو

للصبر حدود، كما للحياء خدود

GMT 14:06 2016 السبت ,02 تموز / يوليو

عدن أمن اليمن(عدن ميزان اليمن – 2 من 10)

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 17:52 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

جلاب جامون

GMT 13:08 2015 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

عالجي التواء كاحلك بالكركم

GMT 02:12 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

تناول عصير الكرز يوميًا يساعد على النوم بشكل أفضل

GMT 01:50 2017 الخميس ,06 إبريل / نيسان

ماري لوي تكشف كيفية الارتقاء بالصناعة المصرية

GMT 16:29 2017 الثلاثاء ,22 آب / أغسطس

شخص يدفن ابنته الرضيعة حية في تارودانت

GMT 11:31 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

شخصية مثلية في مسلسل "ديزني" الجديد تثير جدلاً واسعًا

GMT 13:04 2017 الثلاثاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

بدر كادارين يغيب عن لقاء العودة أمام اتحاد العاصمة

GMT 09:44 2017 الثلاثاء ,11 إبريل / نيسان

ملتقى بغداد السنوي الثاني لشركات السفر والسياحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya