بقلم - أسامة الرنتيسي
لا يمكن لأحد أن يُصدّق أن الحكومة لجأت إلى هذا التبرير بطلب تأجيل تقديم مذكرة حجب الثقة عن وزير الاتصالات مثنى الغرايبة.
أمعقول أن نائب رئيس الوزراء رجائي المعشر طالب مجلس النواب النظر بتأجيل مذكرة الحجب النيابية مبررًا أن الجميع الآن أحوج ما يكونون صفًا واحدًا خلف الملك في ظل الضغوطات التي يتعرض لها على خلفية القدس والقضية الفلسطينية.
هل تقديم مذكرة حجب ثقة عن وزير يُعطّل الجهود الأردنية في مواجهة الضغوطات والظرف الذي يمر به الأردن.
هذا بالضبط ما عطل الاصلاح الحقيقي في الأردن منذ سنوات، حيث تجود عقلية المعشر ومن هم في الإدارة العامة بأن المضي في الاصلاح قد يأتي بأشكال سلبية ليس الآن وقتها، ولا يعرفون أن مواجهة الظروف الصعبة والتأزيم في البلاد لا يحلهما سوى المضي قدُمًا في الاصلاح السياسي إلى أبعد ما يكون.
بعد أزمة عام 1989 وهبة نيسان والاحتجاجات التي عمّت المحافظات – برغم أن البلاد كانت ترضخ تحت الأحكام العُرفية – لم تُعالج أزمات البلاد إلا عندما قرر الملك الراحل الانتقال إلى مرحلة سياسية جديدة بالديمقراطية والتعددية والانتخابات، وجرت أفضل انتخابات نيابية لا نزال نستشهد بنزاهتها.
لأن “مية” النواب دائما رخوة فقد وافق المجلس على تبرير المعشر وتم تأجيل تقديم المذكرة، مع انها لو قُدمت وجرى التعامل معها وفق الأسس الدستورية، وخاض النواب معركة حجب الثقة – وإن نجحوا أو لم ينجحوا، وفي العموم لن ينجحوا – فإننا نُسجّل للمجلس حلقة مهمة من حلقات الحياة البرلمانية التي نفتقدها فعلًا، وهي طرح الثقة في وزير أخطأ بحق نواب وتعامل معهم بطريقة غير لائقة، او وزير لا يؤدي عمله الوزاري على خير ما يرام.
كم نحتاج إلى تفعيل الحياة البرلمانية بأشكالها، فالمذكرات النيابية موسمية معظمها لا يصل إلى نهاياته.
والأسئلة النيابية أداء رقابي للأسف الشديد لا يُنتج شيئًا، تتعامل معها الحكومات بفوقية، وقد يتأخر جواب سؤال فترة تصل العام، فتضيع أهمية السؤال ويضيع توقيته ومغزاه.
ولا نعرف في الحياة البرلمانية شيئَا عن الاستجوابات، فلم نصل يومًا إلى تحويل سؤال إلى استجواب، وهذا أداء برلماني مفعل على سبيل المثال في مجلس الأمة الكويتي لهذا تشعر أن للحياة البرلمانية الكويتية وزنًا مختلفًا.
وتبقى قضية طرح الثقة عن الحكومة او أحد وزرائها، أداء لا يمكن الوصول إليها مهما ارتكبت الحكومات من أخطاء.
وفي المرات المعدودات التي وصلنا فيها إلى مذكرة حجب ثقة عن الحكومة كانت تحصل على ثقة برلمانية جديدة.
أخطر ما في السياسة الأردنية أن الحكومات لا تتورع عن أن تحتمي خلف الملك وتُدخله في المفاصل جميعها، وتحتمي خلف جلالته، ولا تعرف ان هذا ليس في مصلحة البلاد عمومًا.
الدايم الله…