بقلم - أسامة الرنتيسي
ندرك جيدًا أن منطقتنا العربية تمر بمرحلة من أشد مراحلها حِلكَة وسوادًا في تغييب العقل، والمنطق، والعلم، وانتشار الجهل بعناوين عريضة، لا تسيء فقط لعروبتنا وانسانيتنا، بل تسيء عن جهل وتقصد إلى حضارتنا التي فاخرنا بها الدنيا في فترات مضت.
منذ سنوات، والخطاب العربي الرسمي والشعبي، والفعل السياسي والإعلامي، وحياة الإنسان العربي، كلها واقعة في مستنقع التطرف والسلفية بتفرعاته المختلفة، ومحاربة بلاد الكفر والإلحاد، ومتابعة “المقاتلين الجدد” من أفغانستان، إلى غزوات نيويورك، وما بينها من غزوات في مدن أوروبية أخرى، إلى أن ارتددنا إلى ساحاتنا العربية، في العراق والسعودية واليمن ومصر وسورية، ولم تنج عمّان الآمنة من “غزوة الفنادق” التي ذهب ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى.
في هذه الأيام، زاد تغييب العقل أكثر وأكثر، وأصبحت بلاد الرافدين والحضارة الممتدة لآلاف السنين، والعراق الذي استثمر في الإنسان، تعليمًا وصناعة وحضارة، مختطفا أيضا من قبل دعاة الجهل، وأصبح العقل العربي مُغيبًا، أمام أخبار الجماعات المتطرفة، وما يفعله من تبقى من عصابة مرتزِقة “داعش” في العراق والشام التي تتكئ أيضا على آلاف السنين من الحضارة والمدنية والعلم والإنجاز، وهضمت حضارات كثيرة مرت على سهولها وأرضها وجبالها وإنسانها، يندى له الجبين، ويكشف عن أسوأ المراحل التي مرت بها حضارتنا.
خطفتنا وسائل الاعلام الغربية بعناوينها المختلفة، وأجنداتها التي لا تَخفى على أحد، بأخبار وقضايا ثانوية، عن البعد الحقيقي لما يجري، ويغيب العقل والفكر التقدمي لمصلحة منظومة غيبيات وفتاوى وأشكال من أناس يستحضرون أبشع ما عرفته البشرية ويلصقونه بأحداث في فترات سوداء من التاريخ الاسلامي.
نحتاج أكثر ما نحتاج إليه هذه الايام، إلى تغليب العقل في رؤية كل شيء، وتغليب الفكر العلمي المتقدم على فكر الطوائف والمِلَل، وتعظيم الوطنيات القومية والإنسانية والأممية أمام فكر الانعزاليين و”رسل السلف” بعناوينهم المختلفة (دعوية جهادية وهابية…).
نحتاج من مراكز الدراسات المحترمة أن تنشط لتفكيك العزلة عن العقل العربي المُغيّب في غياهب تضر بحياتنا ومستقبلنا.
نحتاج من مفكرينا أن ينشطوا أكثر هذه الأيام، لتعظيم الفكر العلمي التقدمي الإنساني، وألّا يتركوا الساحة لفكر التجهيل والعتمة.
نحتاج من مؤسسات الإعلام جميعها عدم الانحياز إلى اللغة الطائفية البغيضة، والفكر المنغلق التكفيري، بل إلى محاربته.