بقلم - أسامة الرنتيسي
الأول نيوز – الرحمة لأرواح الضحايا، ودعوات بالشفاء العاجل للمصابين، مع دعوات إلى الله أن يحمي البلاد والعباد من كل مكروه.. وبعد
برغم الملحوظات كلها، التي تناثرت في البلاد خلال ساعات المنخفض الفيضاني الذي ضرب الجنوب، إلّا أن الضمير المهني والأخلاقي يفرض علينا أن نعترف أن تطورًا ملموسًا بدأ يظهر للمواطن الأردني في كيفية إدارة الأزمات في البلاد، وبدأت الأمور تسير بشكل طبيعي.
لم يذهب رئيس الوزراء وفريقه الحكومي والأمني إلى موقع الحدث مثلما حصل في فاجعة البحر الميت، بل ذهبوا وقادوا العمل من مركز الأزمات.
ذهاب المسؤول الأول الحكومي او الأمني إلى موقع الحدث لا يضيف شيئًا بل قد يكون سببًا في تعطيل وتأخير الانجاز، وإعاقة العمل.
الآن أصبحت الأحوال الجوية حالة طبيعية يتعايش معها الأردنيون، ولا حاجة للهلع، وحالات الطوارئ القصوى، ولا حتى مشاركة القوات المسلحة في مهمات مدنية، فتكفي المهمات الوطنية الكبيرة الملقاة على سواعدهم، أبرزها حماية الوطن والحدود من العناصر الإرهابية.
تستطيع الحكومة وأجهزتها، والأطراف المعنية بإدارة الأزمات الطبيعية في البلاد أن تقوم بواجباتها خير قيام، من دون الفزعة، وحالة الطوارئ، ولا حتى حالة الطوارئ التي يقوم بها التلفزيون الأردني والقنوات الأخرى، فليست حياة الأردنيين فقط مرتبطة بأن تمضي العاصفة المطرية على خير، لقد جربنا الطوارئ أكثر من مرة ونجحنا، ولا داعي لتصوير وزير البلديات او الأشغال او اي مسؤول آخر على طرف الشارع او السيل، حتى يُصدّق المواطن أن المسؤول يقوم بواجبه، هذا هو الوضع الطبيعي، ويصبح الأمر مستغربًا، إذا بقيت الكاميرات تتنقل من مدينة إلى أخرى تطارد المسؤولين في غرف العمليات، وفي الشوارع، وتحت الثلج والأمطار، حتى يكون الموقف أكثر مصداقية.
نعترف أن الاستعدادات أصبحت جيدة الآن، وتستطيع أن تواجه أية عاصفة جوية، وعلى ما يبدو فإن تغيّرا مناخيًا يشهده العالم، وأصبحت المنخفضات الجوية في بلادنا أكثر من المعتاد، ولهذا فلا داعي للسلوك السلبي الذي يظهر في تصرفات بعض الأردنيين، والمظاهر الاستهلاكية غير الطبيعية.
من الآن فصاعدًا، لن نقبل أن يقول أحد من المسؤولين إنه تفاجأ بحجم أي منخفض، فدائرة الأرصاد الجوية والمراكز الأخرى المختصة بحالة الجو والمناخ أصبحت تقاريرها أكثر وضوحا وحزما، وتسير ساعة بساعة مع حركة المنخفض.
علينا أن نُطوّر أساليب عملنا وحياتنا، بحيث لا تتعطل الحياة وعجلة الانتاج مع كل منخفض مطري عنيف او ثلوج في الفترة المقبلة، على الأقل هكذا تعيش الدول الأخرى التي تستقبل منخفضات جوية أضخم بكثير مما يصل إلى بلادنا، ولا نسمع عن تعطل الحياة، وضرورة أن يبقى المواطنون سجناء في منازلهم.
نشد على يدي كل من يُسهِم في انجاز عمله في الظروف الجوية الصعبة التي مرت وستمر بها بلادنا، لكن، ومِن الآن، لن نقتنع بمبررات انقطاع الخدمات الرئيسية عن المواطنين، بانقطاع الكهرباء وإغلاق الطرق، وانحباس الناس في منازلهم، لأن جهة ما لم تقم بواجبها، ولن نقبل بتكرار إلقاء التهم وتحميل جهات من دون أخرى المسؤولية.
نريد ان نتعلم من دروسنا شيئًا، وألّا نبقى ضحايا خطاب رسمي يُبالغ بقدراتنا في مواجهة الأزمات، يرافقه إعلام يقود المشاهدين والمستمعين، إلى خطط مواجهة حرب مقبلة، وأننا على “قدر أهل العزم”.
لنتجاوز حالة المبالغة التي نقوم بها، وهي التي تدفع المواطن الى ان يطمئن أكثر، ويشعر أن الأمور تحت السيطرة، وأننا سننتصر لا محالة على المشكلة التي تواجهنا.