الأساتذة «المتمرمدون»

الأساتذة «المتمرمدون»

المغرب اليوم -

الأساتذة «المتمرمدون»

رشيد نيني

صورة الأستاذة المتدربة والدماء تغطي وجهها الذي امتقع لونه من شدة الخوف ستطارد رئيس الحكومة إلى نهاية ولايته، وربما إلى نهاية حياته.
فالأستاذة المضرجة في دمائها لم تهدد أمنا عاما ولم تقترف جريمة، بل إنها جاءت لكي تحتج على تقزيم منحتها من 2400 درهم لتصير 1000 درهم، ولكي تعبر عن رفضها لمرسوم يحرمها من حقها في الشغل بعد إنهاء التكوين.
لقد سمعت الأستاذة رئيس الحكومة يعتبر 3000 درهم التي حصل عليها الطلبة الأطباء بعد ثمانية أشهر من الإضراب والمسيرات والتعنيف، مجرد مبلغ زهيد، وسمعت وزيرة الماء تقول عن ثمانية آلاف درهم إنها مجرد جوج فرنك، فاعتقدت أن الحكومة لن يضيرها أن تترك لها منحتها التي لا تتعدى 2400 درهم، ولا أن تترك لها منصب عملها الذي لن يكلف خزينة الحكومة سوى مبلغ زهيد كل شهر.
لكن هراوات الأمن أعادتها إلى الوعي، هي وزملاؤها المتمرمدين الذين مرمدتهم هراوات الأمن، فالحكومة المفلسة تطمع في منحة «الأساتذة المتدربين» الهزيلة لكي توفر منها تقاعد جوج فرنك للسادة البرلمانيين والوزراء الذين يخشى عليهم بنكيران من أن ينتهوا حراسا للسيارات، كما لو أن حراسة السيارات ليست مهنة شريفة كبر منها الآلاف أبناءهم وبناتهم في الحلال دون حاجة للعيش عالة على المال العام.
إن ما سيجلب على هذه الحكومة السخط الشعبي إلى حد احتمال إسقاطها قبل الأوان، ليس هو إنهاكها لكاهل الطبقات الوسطى والمسحوقة بالضرائب والأسعار، بل بسبب استخفافها بذكاء الشعب واحتقار مشاعره.
فقد تمادى رئيس الحكومة وبعض وزرائه في وصف رواتب الطبقات الوسطى بجوج فرنك وبالمبالغ الزهيدة، في وقت يموت فيه ملايين المغاربة يوميا دون أن يحصلوا لا على ثمانية آلاف درهم أو ثلاثة آلاف درهم التي يعتبرها هؤلاء السادة مجرد بقشيش.
ومن حقهم أن يعتبروا هذه المبالغ زهيدة ومثيرة للسخرية، فقد نجحوا في التسلل طبقيا نحو طبقات الناس الألبة، وودع رباح زمن الكونغو والبيصارة، وودع الخلفي زمن السندويتشات التي كان يزاحم عليها طلبة الكومبوس في السنة الأولى لاستوزاره، وأصبح يأكل في فنادق الخمس نجوم بعدما غير شقته في حي المحيط بفيلا سعرها 600 مليون بالهرهورة، وودع عمارة زمن التحنسير وأصبح يربي الفريزي ويصرف 300 مليون على تجهيز ديوانه بغرفة نوم ودوش، واكتشف الرميد الجلابيب المذهبة وتعلم السباحة على كبره، واستأنس بنكيران بالحرس والسيارات المصفحة والطائرات الخاصة، بعدما كان شبه منبوذ في بيته بحي الليمون لا يحاشيه له أحد.
لقد تبرجزوا وظهرت عليهم علامات النعمة وربوا الحناك وكرطوا لحاهم، كما لو أن التغيير الذي كانوا يرفعونه كشعار هو تغيير سحناتهم وأشكالهم وإصلاح أفواههم وأسنانهم.
صورة الأستاذة المضرج وجهها بالدماء، بنظرتها شبه الغائبة عن الوعي وخصلات شعرها التي ابتلت بدمها، هي صورة يجب أن يخجل منها رئيس الحكومة الذي كان أثناء سلخ أبناء الشعب منشغلا في اجتماعه الحكومي بتوزيع التعيينات في المناصب السامية، ومعه وزير العدل الذي قال دون خجل إنه لم يأخذ علما بتعنيف الأساتذة كما لو أنه يعيش في بلد آخر غير هذا البلد، ومعه وزير الاتصال الثرثار الذي أصابته اللقوة فجأة وتحفظ عن الإدلاء بأي موقف حول حفلة السلخ التي تعرض لها أساتذة المستقبل.
إن صورة هذه الأستاذة هي التجسيد الحي للتعليم العمومي المثخن بالجراح، تعليم تجرجر جثته في الساحات والشوارع ويركله تجار الحروب على المدرسة العمومية بلا رحمة.
وفي الوقت الذي كان فيه عباقرة الحكومة يقترحون تقليص منحة الأساتذة المتدربين إلى النصف والتنصل من تشغيلهم بعد التخرج، كانت نيابة وزارة رشيد بلمختار بمدينة سلا تهمل بناء مدرسة ابتدائية كانت مقررة ضمن الميزانية المخصصة من طرف البرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم على عهد الوزيرين احمد اخشيشن والوزيرة العابدة. العقار، الذي كان مخصصا لاحتضان هذه المؤسسة التعليمية المدرجة على عهد النائب الإقليمي السابق، يقع بحي المحيط الشهير شعبيا بحي «الجزارة» التابع للنفوذ الترابي لمقاطعة المريسة، التي بالمناسبة يترأسها حزب العدالة والتنمية منذ سنة 2009.
وطبعا فالمسؤولية تقع على عاتق النيابة الإقليمية التي لم تباشر المساطر القانونية الضرورية لنزع ملكية العقار المخصص لاحتضان المؤسسة التعليمية المذكورة، والذي تعتبر نبيلة بنكيران، زوجة رئيس الحكومة، ضمن الملاك الثلاثة لهذا العقار المعني بنزع الملكية لفائدة المنفعة العامة.
ومن جهتها قامت النيابة بإعمال مسطرة حبية مع مالكي العقار، حيث وافق بموجبها اثنان من المالكين على مبلغ 1000 درهم كسعر للمتر المربع الواحد مقابل التنازل عن العقار، إلا أن انصرام أجل قانونية تصميم التهيئة سنة 2015 لا يضمن لوزارة التربية الوطنية التزام المالكين بنفس المبلغ، نظرا لارتفاع أسعار العقار بالمنطقة التي تعرف إقبالا كبيرا من طرف المنعشين العقاريين والمستثمرين بمن فيهم الإماراتيين والسعوديين والأثرياء بمختلف مناطق المغرب.
ألم يكن على زوجة رئيس الحكومة نبيلة بنكيران، أن تسارع إلى إعلان التزامها بالسعر المتوافق عليه، أو لم لا التطوع بتلك القطعة الأرضية لفائدة أبناء الفقراء بـ«الجزارة»، أم أن الاستثمار في التعليم الخصوصي أعمى بصيرة بنكيران وجعله يبحث عن التوسع وفتح مدارس جديدة باسم زوجته؟
وإذا كانت وزارة التعليم تنسى بناء مدارس مبرمجة، رغم ميزانية مخصصة لها في حدود 45 مليارا و753 مليونا و366 ألف درهم برسم سنة 2016، فإن تلاميذ في آسفي سيضطرون عما قريب إلى الالتحاق بحجرة دراسية يتم حاليا تشييدها وسط مقبرة وبجوار قبور موتى المسلمين.
مشروع بناء حجرات للتعليم الأولي في المقبرة استفادت منه جمعية محلية بدعم من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، حيث شرع المشرفون على المشروع في بناء حجرة دراسية داخل مقبرة بدوار بوخشبة، التابع لجماعة احرارة على بعد 8 كيلومترات من مدينة آسفي على الطريق الساحلية نحو شاطئ لالة فاطنة.
أرض المقبرة هي هبة من أحد شيوخ الساكنة أوصى بها قبل وفاته، قبل أن تتحول إلى مقبرة لساكنة الدوار، وقد استغرب السكان كيف يمكن الترخيص والسماح والموافقة على بناء حجرة دراسية للتعليم الأولي مخصصة لتعليم أطفال المنطقة وسط مقبرة حديثة وتجري فيها باستمرار مراسم الدفن.
وهناك رواية تقول إن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية خصصت دعما ماليا بمبلغ 20 مليون سنتيم في إطار تجهيز هذه الحجرات الدراسية الخاصة بالتعليم الأولي، وليس لبنائها، أما وزارة التعليم فيبدو أن لا علم لها بهذا المشروع الذي يطبق حرفيا حكمة «أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد».
واليوم، بعدما اكتشفنا هذا «المشروع» التعليمي الاستثنائي الذي يجمع بين تعليم النشء ودفن الأموات، يحاول كل المسؤولين في مدينة آسفي التنصل من المسؤولية، بالرغم من كون مشروع بناء أقسام دراسية للتعليم الأولي بدوار بوخشبة جرت المصادقة عليه داخل اللجنة الإقليمية للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية بولاية آسفي وخصصت له ميزانية بمبلغ 20 مليون سنتيم خاصة بالتجهيز، صرفت منها لحد الآن لصالح الجمعية المستفيدة نسبة 30 بالمائة من إجمالي التكلفة، وهي الجمعية التي يشتغل رئيسها كإطار معروف بوزارة الداخلية يعمل بولاية آسفي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأساتذة «المتمرمدون» الأساتذة «المتمرمدون»



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya