فوارق بين جثتين

فوارق بين جثتين

المغرب اليوم -

فوارق بين جثتين

بقلم : المختار الغزيوي

مات عبد العزيز وألقي به في مكان ما في الصحراء، وهرول من رموا جثته في الخلاء لكي يبحثوا من بينهم عمن يستطيع إلقاء القبض على تفاصيل الوهم الساكن هناك، وعمن يستطيع مواصلة إقناع الجزائر أنه الأفضل لخدمة الأسياد في المرادية، والأكثر استطاعة لإطالة أمد الصراع المفتعل فذ ذلك المكان
صورة قبر عبد العزيز ستظل للتاريخ دليلا على الحياة التي عاشها، وستظل مؤشرا على أن هذا الوهم المسمى البوليساريو لن يتجاوز هذه الدرجة بالتحديد: درجة الإلقاء على قارعة الطريق والانتهاء منه إلى الأبد.
ثم مات محمد علي كلاي بعد العزيز بحوالي الخمسة أيام، فقامت قيامة الدنيا ولم تقعد، ورفع الكل القبعة، وأحنى الرأس للرجل الذي ولد حرا رغم إسم العبودية “كاسيوس”، وعاش حرا رغم كل الإركراهات ومات في الختام حرا يقاوم المرض لما يفوق الثلاثين سنة، ولا يستسلم تاركا وراءه الذكرى الجميلة المحترمة
هما في النهاية معا جثتين لا أقل ولا أكثر، لكن جثة عن جثة تختلف، والجسد الطاهر القابع الآن في لويزفيل ينتظر الدفن الجمعة وسط تكريم العالم كله له لايمكن أن يقارن بالجثة التي ماتت السببت وبقيت حبيسة أدراج الجنرالات في الجزائر تنتظر التأشير للإعلان عن الوفاة من أجل مزيد من المزايدات السياسوية الفارغة التي أرهقت الصحراء وأهلكت سكانها
دفع محمد علي كلاي الثمن باهظا لحياته الحرة. رفض الحرب، ورفض قتل الفييتناميين، رفض التجنيد الإجباري الذي سيجعله يقتل أناسا لم يسيؤا له يوما. وتلقى عبد العزيز يوميا ثمن خيانته لبلاده المغرب، وعمولة اشتغاله عند الجزائر حياة مرفهة أسطورية في قلب مخيمات تفتقد لأبسط مقومات العيش. دخن السيغار الكوبي باسم النضال الأممي، وأكل مساعدات الأوربيين والأمريكان، وأصبحت زوجته تحمل لقب السيدة الأولى دون أن يعرف أحد من أين أتت بهذا السبق، وأرسل المقريبن منه كل أسبوع إلى أكبر متاجر أوربا من أجل الشوبينغ والتبض والعيش على حساب معاناة الصحراويين.
حارب علي كلاي من أجل السلم العالمي، وقال جملته الخالدة “اكتشفت أن هناك في الحياة أشياء أفضل وأرفع من أن تضرب الناس على الحلبة”، وحارب عبد العزيز لئلا يصل السلم يوما إلى المنطقة التي كان يدعي الانتماء إليها، ورفع السلاح في وجه وطنه، وقتل من أبناء وطنه من قتل وفرض تقشفا كبيرا على البلد وتضحيات عديدة اقتصادية ومادية وسياسية دون أن يحقق مايريده في الختام، ودون أن يبدو في الأفق أي أمل لكي يصبح الوهم الذي عاش يرعاه قادرا على التحول إلى حقيقة يوما
أحس العالم زلزلة الحزن والفراق ندما سمع السبت صباحا أن محمد علي الأسطورة قد رح،ل فتوالت برقيات التعازي وعبارات النعي الصادقة وكلمات التأبين المؤثرة من الكبار ومن الصغار ومن كل شبر في هاته الأرض دليل احتام كبير لمسار الرجل ولما قدمه للناس منذ هل على الأرض وحتى غادها. ومات عبد العزيز فلم يتحدث عنه إلا تلفزيون الجزائر الذي أقام المناحة الكبرى وأيام الحداد الثمانية، واضطر العديدون في غير مامكان إلى الساؤل “من هو هذا الرجل الذي تقول الجزائر إنه مات وتبكيه استعدادا لبكائها عزيزها الثاني؟”
في النهاية الفوارق في الموت كما في الفوارق في الحياة: ثابتة، قوية، دال، مؤثرة: إما أن تعيش حياتك كلها محترما وأن تموت باحترام وأن تزرع بعدك هذا الاحترام في طيات سيرتك تفرضه على كل من سيتحدث عنك فيما بعد، أو العكس
لعله درس الجثتين، ولعله درس الفوارق الشاسعة بينهما
رحم الله الأسطورة محمد علي كلاي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فوارق بين جثتين فوارق بين جثتين



GMT 04:18 2017 الجمعة ,04 آب / أغسطس

الملك والشعب…والآخرون !

GMT 04:27 2017 الجمعة ,28 تموز / يوليو

أطلقوا سراح العقل واعتقلوا كل الأغبياء !

GMT 06:11 2017 الخميس ,01 حزيران / يونيو

ولكنه ضحك كالبكا…

GMT 05:21 2017 الإثنين ,01 أيار / مايو

سبحان الذي جعلك وزيرا ياهذا!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya