بقلم : نور الدين مفتاح
لا يمكن أن نعرف بالضبط ما دار خلال خمس سنوات بين ملك البلاد والسيد رئيس الحكومة، إلا أنه في نهاية المطاف وخلال هذه الخمس سنوات لا نجد إلا رواية واحدة صادرة بألوان مختلفة عن طرف واحد هو ابن كيران، وحتى وإن قال مصطفى الرميد خلال آخر حوار له مع مجلة تيل كيل إن الملك هو رئيس الدولة ولا بد أن يثار في النقاش بين الفرقاء السياسيين، فإن هناك طرق متعددة لهذه الإثارة ، وعموما حتى في النقاش الداخلي لقيادة العدالة والتنمية هناك تقديرات مختلفة للاندفاع التواصلي لابن كيران، فهو من الصقور بالمقارنة مع العثماني والرباح مثلا ومن الحمائم بالمقارنة مع أفتاتي، وبالتالي فتدبيره لرئاستيه الحزبية والحكومية اجتهاد أصاب لحد الان بالنظر للنتائج الانتخابية، ويمكن أن يصيب أو يخطئ في الاستحقاقات القادمة، فالأمر موكول للإرادة الشعبية، ولكن المشروع الأثير في نفس هذا الرجل منذ عهد المراجعات بعد مرحلة الشبيبة الاسلامية، وهو بناء جسر متين من الثقة بين الملك والإسلاميين لم يكتب له في هذه السنوات الخمس أن يكتمل، وهذا هو جوهر رسالة خطاب العرش الأخير في شقه المتعلق بالأحزاب السياسية، إنها أكبر من غضبة ملكية، لأن الغضب عابر ولكنها حكم سياسي على تجربة، مع تأكيد تاريخي على التزام ملكي بالاختيار الديموقراطي، بمعنى أن الملك غدا سيحكم مع من ستفرزهم صناديق الاقتراع سواء كان يثق بهم أم لا، وسواء كانوا يعجبونك أم لا.
لم يكن هذا هو حلم ابن كيران على الأقل، ففي بلد شديد التعقيد، مؤسساتيا ومجتمعيا، يعرف زعيم العدالة والتنمية بأن الملك أمتن ضمانة من صناديق الاقتراع، فالذين يصوتون بكثافة للعدالة والتنمية اليوم لا علاقة لهم في الغالب بالإسلام السياسي وتصويتهم مرتبط بسياق تاريخي أكثر منه بإنجازات حكومية خارقة، كما أن الديموقراطيين الحقيقيين في البلاد يفضلون لحد الان ملكية قوية درءا لانزلاق فوضى قد تذهب بالبلاد الى حافة التمزق.
عموما يبدو أن المملكة اجتازت مطبات الحراك العربي بأقل الأضرار، والملك اختار أن تستمر التجربة رغم أنها كانت قد انتهت عمليا مع نهاية حكم الإسلاميين في تونس ومصر وخروج حزب الاستقلال من الحكومة المغربية، إلا أن هذا لم يغير في البنية الجيولوجية السياسية للمغرب شيء، ففي كل منعطف تقوم القيامة، ويكثر الضجيج، ولا تتغير إلا الأسماء، والاسم اليوم الذي يسخن محركات العدالة والتنمية هو حزب الاصالة والمعاصرة، وإذا كان التدافع الحزبي مشروعا فان العدالة والتنمية سقطت في فخ أسطرة هذا الحزب وشخصنة الصراع معه في الياس العماري، والدخول في معادلة صعبة الهضم وهي إما فوز الإسلاميين أو أن الفوز للتحكم، وتسير الأمور إلى منزلقات لا تحمد عقباها مع ثورة شبكات التواصل الاجتماعي من دعوات للعنف والاطلاقية في التفكير والأنانية السياسية.
فمن معنا مستقل القرار وان كان التجمع الوطني للأحرار، ومن ضدنا ليس كذلك وإن كان الاتحاد الاشتراكي، بل وصل الامر الى العجائب بحيث ان نفس التنظيم هو مستقل ديموقراطي رائع وهو ضمن الأغلبية الحكومية، وهو تابع متحكم رديء وهو خارج على الأغلبية ثم هو حميم بعد عودته للمساندة النقدية والمقصود بالطبع هو حزب الاستقلال.
عموما يصعب في المغرب أن تربط وجودك بنفي الأخر، والذي يفعل هذا لم يقرأ التاريخ جيدا، فالبناء على نفي ما كان يسمى بالأحزاب الإدارية من طرف أحزاب الحركة الوطنية أهدر زمنيا سياسيا كبيرا ليتم التحالف معهم في نهاية المطاف فيما سمي بتجربة التناوب التوافقي، وحسب اعتقادي فالذي عشناه إبان 2011 كان ثورة توافقية! ومن شيم مثل هذه الثورات أنها لا تسير بالاقصاءات، وان الاختيارات فيها ليست من الثوابت ولكنها من المتحركات، وان المبدأ لا يحكم فيها دائما التحالفات. ولذلك فالشيطنة من طرف المتنافسين أو المعلقين المتعلقين باللحية او بالتنورة، لحزب "السلطة" أو لحزب "الاخوان العالمي" هو صراع بأدوات قديمة لواقع مختلف جذريا، ومهما كان الفائز، ففي تقديري سيكون المنتصر بالنظر لما سارت به الأمور لحد الان هو العزوف كموقف سياسي قديم جديد وللأسف ... حقا مع كامل الأسف لأننا مرة أخرى سنعيد التاريخ، وبشكل أو بآخر فقد تم الإعلان عن نهاية هذه الثورة التوافقية.