المغرب والخليج بين ثورتين

المغرب والخليج بين ثورتين

المغرب اليوم -

المغرب والخليج بين ثورتين

بقلم - نور الدين مفتاح

الذين صلوا صلاة الجنازة على ما سمي بالربيع العربي، منذ انقلاب عبد الفتاح السيسي على الرئيس المطاح به محمد مرسي، فوجئوا بعد 4 سنوات فقط بالميت المفترض وقد بعث حيّاً. إن ما يجري في جارتنا الشرقية الجزائر وفي الجمهورية السودانية، حيث تم اقتلاع رأسي النظامين، لا يحتمل إلا قراءة واحدة، وهي أن عجلة التاريخ تدور في الاتجاه الصحيح، وأن ما جرى من الثورات في المنطقة العربية كان حدث القرن بامتياز، وأن تعقيدات التغيير ومجاهله وكواليسه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تحجب إرادة الشعوب في الانعتاق والحرية والكرامة.

ولنلاحظ أنه بعد الثورات ارتعدت فرائص الأنظمة المتحجرة، وجلها قدمت تنازلات حتى في أكثر البلدان انغلاقا كالسعودية، ولكن ما إن ظهرت بوادر نوع من الجزر الثوري، حتى جمع الاستبداد أفرشة تودده، وعاد بشكل أشرس وأعنف، معتقدا أن مآل بعض الثورات سيكون فزاعة للتواقين للتغيير، وأصبح الشعار هو أن الاستقرار أهم من الديموقراطية وإلا فإن مصير الانتفاضات الشعبية المشروعة لن يكون إلا الدمار، كما جرى في سوريا واليمن وليبيا.

وإذا كانت دول الخليج بالضبط من أكبر المناطق التي أصيبت أنظمتها بالرعب، فإنها بعد انقلاب مصر تحولت من منطق الدفاع باستجداء حلف للملكيات العربية، إلى الهجوم الكاسح للتحكم في التطورات السياسية في المشرق والمغرب على السواء.

وكانت الأمثلة الصارخة في هذا الشأن، بغض النظر عن الحالة المصرية التي تم فيها التدخل الإقليمي بشكل فاضح، هو تشكيل ثنائي حربي هجومي يتكون من الرياض وأبو ظبي، اعتقد أن التاريخ قد فتح ذراعيه لهما في المنطقة وأنهما يمكن أن يكتبا صفحاته بكل خيلاء. والغريب أن الدولتين ومن يدور في فلكهما لم يعد يهمهما اتقاء شر شعوبهما أو محاربة الخطر الإسلامي المفترض على نظاميهما، ولكن أخذا في الاعتقاد أن لهما من القدرة ما يمكن به أن يحكما هذا العالم العربي وأن يرسما معالم صورته الجديدة، وأن يلجما حركة التغيير التي تصنف في عرفهما على أنها فوضى أو إرهاب، والغريب أنه لم يسلم من هذه الروح الاستعلائية حتى أصدقاؤهما، ولا أدل على ذلك مما وقع ويقع مع المغرب.

هذا الجناح السلطوي الذي سمّاه الرئيس التونسي السابق المحترم محمد المنصف المرزوقي بمحور الشر العربي تدخل في مصر وفي لبنان وفي سوريا وفي اليمن بحرب مكشوفة، ويتدخل اليوم بشكل سيء في ليبيا بوجه مكشوف، بحيث إن الجينرال حفتر، صنيعة المخابرات الأمريكية، شن حربا على الحكومة الشرعية بطرابلس أياما بعد زيارته للرياض، لتكون السعودية مع سبق الإصرار والترصد مساهمة في الانقلاب على اتفاق الصخيرات.

ولا ننسى الزيارة التي قام بها الجينرال قايد صالح في بداية الحراك للإمارات العربية المتحدة، ولكن عجلة التاريخ الحقيقية أطاحت بالمخطط الحديدي للنظام الجزائري وسقط بوتفليقة، ومازال مطلب قطع دابر النظام قائما في أوساط الجماهير الشعبية.

وإذا كانت الموجة الثانية من الربيع العربي لحد الآن قد أطاحت برئيسين، فإنها تبقى رهينة لجيشين، وفي أيام المخاض هاته ينشط المحور العربي المضاد للثورات، وسيدعم الجينرالات ويزيد من الاحتقان في محيط دول التغيير، ويذكي نعرات الخلاف السياسي في النماذج الناجحة نسبيا كتونس، ويحاول جر دول الحلول الوسطى إلى حافة المنطق البوشي: "إما معي أو ضدي"، وهذا هو جوهر الخلاف الصامت بين الرباط من جهة وأبو ظبي والرياض من جهة أخرى.

المغرب مع الحل السياسي في ليبيا، ولا يهمه إن كانت من مكونات هذا الحل السياسي فصائل إسلامية أو إخوانية، إنه شأن داخلي ليبي، ونساء ورجال ليبيا قادرون على قيادة بلدهم بشكل عقلاني بعيد عن حماقات قائد الفاتح غفر الله لنا وله. والمغرب مع الشرعية الانتخابية، وملك البلاد لم يرد أن يقتلع المكون الإسلامي من الحياة المؤسساتية للمملكة، وكان بإمكانه أن يفعل ذلك، ولكن التزام القصر مع الشعب في 9 مارس 2011 ظهر أنه لم يكن رد فعل تكتيكيا بل كان تعاقدا هو محترم لحد الآن والإسلاميون يقودون الحكومة، وهذا لا يعجب المحمدين هناك، وجوهر الموضوع أن الانخراط في الانتقال الديموقراطي حتى وإن كان متعثرا في الرباط يعتبر اعتداء على بن سلمان وبن راشد!! فهل هذا منطق سياسي للعقلاء أم عزّة بالعجرفة وتدخل في شؤون دولة عريقة ذات سيادة؟

إن مظاهر الفساد والاستبداد وبيع الأوطان وسحق الضعفاء وإفلاس القيم هي نتيجة طبيعية لعقود من الطغيان في هذا العالم المسمى عربيّا، ولكن هذا ليس قدرا ربانيا، بل هو ظلم حان الوقت للثورة عليه، وها هي الثورات المباركة تحيي العظام وهي رميم، وعندما نتابع أنفاس الشارع الجزائري ودقة تنظيم مظاهراته وجمالية شعاراته وذكاء الإبداع في احتجاجاته، وقس على ذلك ما عشنا على إيقاعه في شوارع الخرطوم، فإننا ننسى ذلك العار الذي طالما أحسسنا به وكأننا ضحايا اغتصاب سياسي لعقود، ونمتلئ بالافتخار بقوة الشباب الهادرة، هذه القوة لهذه الفئة الجديدة هي محرك التاريخ الذي سيرمي الظالمين في القمامة ويفتح المجال لعالم جديد، وحتى في الانتكاسات العسكرية أو السيسية أو الحفترية المدعومة من القوى الإقليمية الرجعية، فإنها لن تكون إلا فاصلة في مسلسل حتمي انطلق ولن يتوقف ولن يغير اتجاهه أبداً، فاجتثات استبداد عقود لا يمكن أن يتم في شهور أو سنوات ولكنه سيتم، ويكفي أن أمواج الشباب الهادرة هاته قد أسقطت لحد الآن حسني مبارك ومعمر القدافي وزين العابدين بن علي وعبد الله صالح وعبد العزيز بوتفليقة وعمر البشير… أفلا تبصرون!؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب والخليج بين ثورتين المغرب والخليج بين ثورتين



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya