يوم بيوم

يوم بيوم

المغرب اليوم -

يوم بيوم

نور الدين مفتاح

خلّفت إقالة وزراء والسخط الملكي على آخرين صدى إيجابيا في العموم لدى الرأي العام، وذلك لأسباب متداخلة، منها الصورة المرسومة في المخيال الشعبي عن المسؤول السياسي بأنه في المجمل فاسد إلى أن يثبت العكس، ومنها أن الحالة المزرية التي يعيشها الناس لابد أن هناك مسؤولا عنها، وحدث إقالة وزير كأعلى وظيفة في الدولة هو بمثابة إنصاف للمظلومين دون التمحيص في الحيثيات، ومنها التهييء النفسي الكبير ليس لتقبل مثل هذه القرارات ولكن للتحول إلى المطالبة بها شعبيا، وذلك منذ عيد العرش الماضي حين سحب الملك عمليا ثقته من النخب الحزبية والإدارية.

ولكن ما جرى لابد وأن يفسح المجال بعد أخذ المسافة الضرورية معه إلى التأمل الهادئ بلا حماسة زائدة ولا اندفاع.

فطريقة تفعيل المبدأ الدستوري لربط المسؤولية بالمحاسبة في ملف الحسيمة كانت مجرد اجتهاد، فقد تم تكليف مفتشيتين من وزارتين في البداية للتحقيق في الموضوع، ثم صدرت نتيجة البحث بكون ما تم وضع اليد عليه هو اختلالات وليست اختلاسات، وتم تحويل الموضوع بعدها إلى المجلس الأعلى للحسابات، ليكتب تقريراً هو بمثابة الحكم القضائي، ويتقرر أن يتلى أمام الملك شخصيا وينقل تلفزيونيا بحضور رئيس الحكومة ووزيري الداخلية والمالية، ويعقب ذلك إصدار الأحكام النهائية غير القابلة للاستئناف.

هذا الاجتهاد في الإخراج كوّن فكرة عند الرأي العام بأن الوزراء المعاقبين خانوا الأمانة وأن جرمهم عظيم، وإذا استحضرنا الطريقة التي تقبل بها معتقلو حراك الحسيمة وذووهم القرارات العقابية من زغاريد وهتافات بالنصر، فإن المعنى الذي نتج في النهاية هو أن المسؤولين المعنيين كانوا سببا في إشعال النيران في الريف، وهددوا استقرار المملكة، والواقع أن الحيثيات التي بنيت عليها العقوبة كانت بعيدة كل البعد عن مخلفاتها، وبالتالي فهذا الاجتهاد في تطبيق مبدأ عادل، وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة، لم يكن مائة بالمائة عادلا، بالنظر إلى تناسب الفعل مع رد الفعل، وإن كان من الناحية السياسية مفهوماً ما دام للملك الحق الدستوري المطلق في تعيين وإقالة الوزراء.

أما الوزراء الذين تم السخط عليهم، فليست القضية محصورة في هذه العقوبة المعنوية التي تعتبر قاتلة بالنظر إلى علاقة المواطنين الخاصة بملكهم، ولكن الحكم عليهم بالتجريد عمليا من حقوقهم السياسية، بألا يحق لهم مستقبلا تقلد أي من مناصب المسؤولية، فيه غموض كبير يصعب تبريره، بالنظر إلى أن مثل هذه العقوبة لابد لها من حكم قضائي، اللهم إلا إذا أفتى في الموضوع من هو أفقهنا تخصصا وأغزرنا علماً.

لهذا يمكن فهم رد فعل حزب التقدم والاشتراكية وهو يمتثل لقرار الملك، وفي نفس الوقت يشيد بوزرائه ويفوض للجنته المركزية اتخاذ قرار البقاء في الحكومة من عدمه.

أتوقع أن النية في ما أصبح يعرف بـ "الزلزال السياسي" في المملكة لم تكن هي إقامة محكمة للوزراء حول وقائع محددة وإصدار الأحكام وطي الصفحة، بل كانت هي إعطاء إشارة بدء مسلسل جديد لانتقال سياسي مرسوم لدى الحكم يكون بديلا عما هو موجود اليوم في الساحة، وما يوجد في هذه الساحة يمكن بلا مبالغة أن نصفه بالقيامة! الأصالة والمعاصرة الذي تم التعويل عليه لسد الفراغ الحزبي ومواجهة المد الأصولي (حسب مؤسسيه) انهار بعدماخسر رهان دحر العدالة والتنمية، والأحزاب التاريخية استنزفت، والأخير في اللائحة كان هو حزب الاستقلال، وحزب العدالة والتنمية، الذي ظل إلى حدود قريبة التنظيم المتماسك الوحيد الذي يملأ فراغ الساحة الحزبية، دبَّ إليه الخلاف الذي لا رجعة فيه وهو على حافة الانشقاق، والزعماء المبشّر بهم للمستقبل القريب قد تكون لديهم الخبرة والمهارة التكنوقراطية ولكنهم مع أحزابهم بدون امتداد شعبي ولا رؤية ولا كاريزما.

فما هو تصور الحكم للمشهد السياسي المقبل؟ وما هي ملامح النموذج التنموي الجديد للمملكة؟ وبأي أدوات يمكن بناء المغرب الجديد على أنقاض ما خلفه أو سيخلفه الزلزال، على اعتبار أن ما جرى من عقاب للوزراء قد يفهم منه أنه مجرد هزة أرضية خفيفة؟ وما هو موقع الشعب من كل هذا الهدم والردم؟ وفي أي أفق سنحلق؟ وهل علينا اليوم أن نضع الانتقال الديموقراطي وموقع الإرادة الشعبية في تحديد الأولويات الوطنية بين قوسين إلى حين؟

الجواب العام على هذه الأسئلة هو أن كل شيء يوحي بأننا فعلا مقبلون على قطيعة، وأن هناك إحساسا عاما بأن السائق الأكبر قرر أن يأخذ بزمام الأمور كلها، وأن الثقة في الوسطاء السياسيين والاجتماعيين قد انعدمت، وأننا سندخل مملكة جديدة ستقطع فيها رؤوس كثيرة وتطوى فيها هوامش وتفتح فيها صفحات مختلفة عما سبق، وهذه هي الخطوط العريضة حسب الحدس، أما التفاصيل فلا يعرفها إلا الذين يرتبون لهذا الخيار، ومن سوء حظ الجميع أن الاختيارات في السياسة ليست لها بوليصة تأمين على المخاطر، لهذا تجدنا مفتوحين اليوم على جميع الاحتمالات، فاللهم إنَّا لا نسألك رد القدر ولكن نسألك اللطف فيه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

يوم بيوم يوم بيوم



GMT 08:07 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أخبار مهمة أمام القارئ

GMT 08:04 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الإمارات والأردن.. توافق لأمن المنطقة

GMT 08:01 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسوأ عقاب أوروبى لأردوغان

GMT 07:59 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لهذا تقود أمريكا العالم!

GMT 07:57 2018 الأربعاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كسر الحلقة المقفلة في اليمن

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة

GMT 17:22 2019 الثلاثاء ,24 أيلول / سبتمبر

احصلى على أسنان ناصعة البياض فى المنزل

GMT 13:30 2019 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عربية السيدات تعتمد جوائز خاصة للفرق الرياضية

GMT 23:33 2018 الأحد ,21 تشرين الأول / أكتوبر

موعد الكشف عن "بوجاتي تشيرون سوبر سبورت" الجديدة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya