كذبة المغرب للجميع

كذبة المغرب للجميع

المغرب اليوم -

كذبة المغرب للجميع

بقلم : نور الدين مفتاح

حتى وإن كانت وصفات البنك الدولي تثير الريبة لما ارتبطت به في ذاكرتنا من رهنه لمصالح الشعوب لصالح القوى المتحكمة فيه، فإن تحليلاته لا تكون دائما مجانبة للصواب. أليس هذا البنك الدولي هو الذي شخص وضعية المغرب في تقرير كشفه الراحل الحسن الثاني وأصبح يعرف بـ "السكتة القلبية"!

سبب هذا الحديث هو صدور وثيقة عن هذه المؤسسة الدولية هذا الأسبوع تفكك بعض الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في مغرب اليوم، وسنقتطف منها بعض الأجزاء لنقف على هذا الواقع المخيف الذي يحيط بنا ولا تميط عنه اللثام حكومتنا الموقرة.

يقول التقرير إن المجهود الاستثماري للمغرب منذ سنة 2000 ضخم ويصل إلى ثلث الناتج الداخلي الخام، ولكن مردوده على المستوى التنموي يبقى ضعيفا، فمثلا تركيا وكولومبيا استطاعتا أن تحققا نموا كبيرا باستثمارات أقل، والسبب؟ إن المغرب اختار الاستثمار في البنيات التحتية، ونتائجها تكون على المدى البعيد، وكان على المملكة -حسب البنك الدولي- أن تستلهم نموذج سيول التي اختارت الاستثمار في الصادرات والتعليم، والنتيجة أنها واحدة من أقوى الاقتصادات في العالم.

وبدون مواربة، يضع البنك الدولي يده على التعليم كمفتاح لهذا التعثر التنموي الذي تعرفه المملكة، أي الاستثمار في الإنسان. وبعد تشخيص مفزع لواقع التعليم في المغرب، الذي يلخصه في كون التلاميذ المغاربة يحتلون الرتبة الأخيرة على الصعيد العالمي في مستوى القراءة مثلا، يصل إلى النقطة الأخطر، وهي أن النظام التعليمي لدينا هو الأكثر تفاوتا في العالم، لأنه يقسم البلاد إلى مملكتين، حيث يعيش تلاميذ المدرسة العمومية في عالم وتلاميذ التعليم الخصوصي في عالم آخر، وهذا هو الطريق المخالف تماما للتجارب التي نجحت في التقدم برأسمالها البشري، ويورد منها التقرير كوريا الجنوبية وسنغافورة وفنلندا، حيث حسمت في تكريس تعليم ابتدائي جيد ومعمم في مدرسة عمومية واحدة.

لنلاحظ اليوم كيف أننا مازلنا نجتر قضايا كان يجب الحسم معها قبل عقود، خصوصا أنها لا تكلف لا مليونا ولا مليارا كإصلاحات، ومنها الدمقرطة، وهذه الديموقراطية المنتظرة ليست ترفا، ولكنها وسيلة لتحديد الأولويات، وهنا يمكن أن نطرح السؤال البديهي في هذا السياق: من حدد أن يكون الاستثمار في البنية التحتية له أولوية على الاستثمار في البشر؟ الجواب نعرفه. ولماذا يبقى إصلاح التعليم، الذي تم تخريبه في سنوات الرصاص، لأسباب سياسية محضة، يراوح مكانه إلى اليوم، ولا يبدو أن الغد سيكون أحسن ونحن نعيش واحدة من المغربات، خرج فيها رجل تقنوقراطي من دواليب وزارة الداخلية إلى وزارة التربية مباشرة؟ ولماذا يتم شغل المغاربة بمواثيق التربية والتكوين وبالمجالس والبرامج لمدرسة عمومية لا يلتفت إليها أولئك الموكول لهم إصلاحها، بل إنهم يحتقرونها، وأبناؤهم بعيدون عن خرابها، وجزء من هذه النخبة الحاكمة يحتقر حتى لغة الدستور، ويدفع في النقاش العمومي بقضايا للمزيد من تهشيم المهشم من مثل التضاد بين العربية والدارجة، في الوقت الذي يوجد أبناء هؤلاء وأولئك في مدارس البعثات والجامعات الخاصة؟

وحتى هذه الإصلاحات التي تشغل الحزب الأغلبي ومن معه في الحكومة، وتقدم على أساس أنها إنجازات باهرة، تبقى مضحكة بالمقارنة مع هذا الزلزال الهيكلي الذي يهز أركان البلاد، وهو التجهيل الذي ينتج عنه التفقير للبلد وللطبقات الشعبية، فهل سننتظر فتاة محرومة من قسم في حي شعبي حتى تكبر وتصبح مطلقة أو أرملة فقيرة لنسلمها صدقة هي من منجزات الحكومة؟ أو هل ننتظر أن نرفع ثمن البوطاغاز إلى 120 درهما ونسلم لأسرة من الفقراء وضحايا المدرسة العمومية 1000 درهم في الشهر لنعتبر أن المشكل تم حلّه؟

لو بدأنا منذ 20 سنة في إصلاح المدرسة العمومية، وكنا في وطن واحد متكافئين في الفرص، لما احتجنا لصدقات الحكومة! ولكن، إذا كان التأسف على ما فات بدون جدوى، فالتأسف على الآتي، وعربونه ظاهر من اليوم يدمي القلب، فلا نحن عرفنا الديموقراطية، وكم نظرنا كالسذج للانتقال وموازين القوى وهلم واقعيات مضنية، ولا نحن لمسنا التنمية، ولا أحسسنا حتى بالكرامة في الوطن عندما ترى أولاد "لفشوش" يبصقون على الضعفاء وكأنهم متطفلون عليهم في بيوت آبائهم.

إنها كذبة كبرى أن يكون المغرب هو مغرب الجميع. إننا في واحد من أكبر بلدان العالم من حيث الفوارق الاجتماعية  والطبقية واللسنية  والقيمية، فالسواد الأعظم منا عليه أن يشحت من الأقلية، فهل هذا هو الاستثناء المغربي؟

إنني أشك في أن هناك أصلا نية في إصلاح هذا التعليم ليصبح مستوى ابن فاطنة في مدرسة الدوار مثل مستوى ابن كذا في ليسي ديكارت، أشك وكم من شك، هو كاليقين.

المصدر : جريدة الأيام 24

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كذبة المغرب للجميع كذبة المغرب للجميع



GMT 13:17 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ثلث المغاربة لا يفتخرون بمغربيتهم..لماذا؟

GMT 05:26 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي

GMT 03:32 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي

GMT 00:36 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

في هجاء الريسوني

GMT 04:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

قراءة في طلاق ملكي

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya