بقلم : نور الدين مفتاح
عندما تم التخلي عن السي عبد الرحمان اليوسفي وتعويضه بادريس جطو سنة 2012، خرجت المانشيطات تعلن عن "نهاية السياسة"، وعندما قبل الحزب الذي طالب باحترام المنهجية الديموقراطية الدخول إلى حكومة جطو المجسدة لخرق هذه المنهجية، عاد العنوان لبعض صفحات الديموقراطيين ينعي مرة أخرى السياسة، واليوم بعد هذه الخلطة العجيبة التي أصبحت أقرب بكثير إلى فن السخرية منها إلى التحليل السياسي، نعود دون خوف من المبالغة مع حكومة السي سعد الدين العثماني اسما إلى نفس العنوان: "نهاية السياسة".
صحيح أن الديموقراطية ليست فقط هي آلية الانتخابات، ولكنها قيم ومبادئ، منها تقديس حرية التفكير والمعتقد والتعبير، واحترام المبادئ الكونية لحقوق الإنسان ونبذ الكراهية وإعلاء شأن الكرامة الإنسانية. ورغم ذلك تبقى آلية الانتخابات هي الممر الوحيد اليوم للتعبير عن الإرادة الشعبية، وعندما نكون في نظام سياسي بتشكيل مؤسساتي معقد كالنظام المغربي، فإن التعادل بين الإرادة الشعبية وإرادة الدولة هو أقل الأضرار في انتقال ديموقراطي يعني ضمنيا استمرار جزء من الاستبداد مع جزء من الديموقراطية، وما جرى بعد البلوكاج وخروج حكومة العثماني هو أنه تم الاستحواذ على نتائج الانتخابات، وأعطيت هديّة جديدة للعدالة والتنمية كونه ضحية، وأصبح حزب التجمع الوطني للأحرار عمليا هو الذي يقود الحكومة سياسيا، وأعطي إحساس عام للسواد الأعظم من المغاربة بأن أصواتهم لا تساوي شيئا، وحتى أولئك الذين يمكن أن نطلق عليهم اسم الاستئصاليين المتنورين المعادين للإسلام السياسي تبرموا من هذه الكماشة التي جرفت ابن كيران ومن معه، وأخرجت حكومة لم تنجح لحد الآن إلا في تفجير الكامن من مواهب فن السخرية عند المغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وحتى خارج هذا الإطار، لم يتورع مهندسو هذه الحكومة عن القيام بأي شيء يخطر على بالهم بلا وازع لا رأي عام ولا خاص، ونقَّلوا حصاد رأسا من وزارة الداخلية إلى وزارة التربية والتعليم، وعبد الوافي لفتيت من فضيحة أراضي خدّام الدولة إلى وزارة الداخلية، وضخموا الحقائب وشتتوها بعد ذلك في كتابات للدولة ستعيدنا إلى البدايات وصراع الاختصاصات والبحث عن ألوان قوس قزح في ما للوزير وما للمنتدب وما لكاتب الدولة من هامش أو مساحة تحرك.
وعموماً، إذا كانت خمس سنوات من عمر حكومة قصير بالقياس بالزمن السياسي، فإننا في 2021 مثلا لن نجد حزبايحمل مشروعا بديلا لحزب العدالة والتنمية ويكون حامله مدعوما بالمصداقية، لأن السي عزيز أخنوش كبديل للسي إلياس العماري تم حرقه مع ولادته، وسيكون على الدولة مرّة أخرى أن تعيد النحت في الصخر لخلق توازن صعب بين نتائج الانتخابات ومتطلبات الانتقال الذي يبدو أنه سيكون طويلا. هذا مع معطى لا يحتاج إلى تنجيم لتأكيده من الآن، وهو أن نسب المشاركة في أي انتخابات مقبلة ستنهار. وعذرا على هذا التشاؤم، ولكن هناك صناعة بارعة في جهة ما في المملكة تسمى صناعة التيئيس، ومقاومتها بالأمل لحد الآن تبقى صعبة، وربما تغدو مستقبلا مستحيلة.
من هنا يبدو أن انتظار البرنامج الحكومي ومفاجآته خلال التنصيب يوم الجمعة هو الجزئي، وحتى هذا يختلط علينا بعض الشيء. فإصلاح المقاصة الذي قاده ابن كيران لم يكن في مصلحة الطبقات الشعبية، ولكنه كان في مصلحة التوازنات الماكرواقتصادية، وبارونات المحروقات لم يخسروا دعما كان ضعيف المراقبة، لأنهم عوّضوه بأثمنة بيع في محطاتهم هامش الربح فيها أكبر مما كانوا يجنونه، وإذا وصلنا إلى تحرير غاز البوتان، فلن يخسر هؤلاء البارونات، ولكن قد تربح العدالة والتنمية سياسيا من خلال الدعم المباشر للفقراء، وهو حساب خاطئ، لأن حسابات الربح والخسارة في السياسة قد حسمت بما هو أكبر من البرنامج الحكومي للأسف.
وحتى في هذه الإجراءات الخطيرة من مثل رفع الدعم عن البوطاغاز، لا بد من صوت مزلزل ليعبئ الناس حتى يتقبلوا ما يضرهم كخواص من أجل الصالح العام، وهذا الصوت تم التخلي عنه، وكل مبادرة شبيهة اليوم ستكون بمثابة المقامرة.
إن الملفات الأساسية المطروحة على المملكة معروفة، ومنها قضية الصحراء، ويتبعها ويتداخل معها اليوم الملف الإفريقي بتشعباته السياسية والتنموية ثم التشغيل والتعليم والصحة. وكما هو واضح فتسعون في المائة من الأولويات هي سيادية بمفهوم أنها موكولة لوزراء أو قطاعات لا تتحكم فيها الأحزاب، أو أن القصر يدبرها رأسا، والصحيح أننا حققنا الكثير من التقدم على المستوى الإفريقي، وكسرنا جزءا من الطوق الذي كان يحاصرنا على مستوى قضية الوحدة الترابية، كما استمرت الأوراش الكبرى بما فيها البنية التحتية والموانئ والطاقات المتجددة، ولكننا فاشلون فشلا ذريعا في الملف الاجتماعي، وليست هناك بوادر نجاح في الأفق مع هذه الحكومة، بالنظر لطبيعتها وتشكيلتها ووجوهها، وهذا هو برميل البارود الذي قد يعصف بالمنجزات، وها نحن نرى الريف يغلي فوق السطح والصحراء تغلي تحت السطح والناس كاتمين الغيظ إلى حين والأحزاب تبعثرت إلا من رحم ربّك، والدولة توجد في الواجهة بلا وسطاء، وكل هذا كان بالإمكان أن نتفاداه برسالة أمل تجعل الصابرين يستمرون على صبرهم، ولكن لكل حساباته، وحسابات أصحاب الحل والعقد هي الفيصل، وفي انتظار النتائج دعونا نضحك مع الحكومة الضاحكة..على الدقون.
المصدر : جريدة الأيام 24