علامـات الساعـة

علامـات الساعـة

المغرب اليوم -

علامـات الساعـة

بقلم : نور الدين مفتاح

خلق جزء من الحوار الذي أجريناه في "الأيام" مع وزير السكنى والأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية السيد نبيل بنعبد الله زوبعة وصلت إلى حدود إصدار الديوان الملكي، في مبادرة جد نادرة، لبلاغ تقريعي لمحاورنا بصفته الوزارية والحزبية والشخصية، متهما إيّاه بالتضليل السياسي والإساءة لسمعة الوطن والمس بحرمة ومصداقية المؤسسات، وأعقب هذا اجتماع طارئ للديوان السياسي لحزب المرحوم علي يعتة دام أكثر من أربع ساعات، وخرج ببلاغ نادرا أيضا ما يصدر عن حزب سياسي ردّا على الديوان الملكي مصاغ بشكل هادئ ومتوازن ينحو إلى "تبريد الطرح"، ويعيد التأكيد على التشبث بالثوابت الوطنية، ويعتبر تصريحات الأمين العام جزءا من التدافع الحزبي لا غير.

وكان نبيل بنعبد الله قد صرح لـ"الأيام" بأن لا مشكل له مع حزب الأصالة والمعاصرة ولكن مع من وراءه، وهو الذي يشكل "التحكم"، وهي الكلمة السحرية لهذه الحملة الاستثنائية في مغرب اليوم، وعندما سئل عمن يقصد قال إنه "من أسسه"، وهنا اعتبر محاورنا أن نقل جوابه لم يكن دقيقا وأنه قال إنه كان ضد: "فكرة التأسيس ومؤسسيه"، وعلى الرغم من أنه لغويا: "من أسسه" تعني الجمع أيضا، فإننا سارعنا استجابة لملاحظة السيد نبيل بنعبد الله لنشر تدقيق في الموضوع على صفحات "الأيام 24" في نفس يوم صدور الحوار في الجريدة الورقية، ولم تقم قيامة هذا الموضوع إلا بعد ستّة أيام ليتردد الحديث عن خطأ لجريدتنا، في حين أن الموضوع أكبر من تدقيق لغوي، بل هو موضوع سياسي عميق مرتبط بخصوصية في سلوك النخبة المغربية، وكل هذا يجري في ملعب كبير جزء مهم من جمهوره لا يعرف قواعد اللعبة في الرياضة التي يشاهد مباراتها.

والموضوع السياسي العميق هو الانتقال الديموقراطي في المغرب، وهناك رأيان في البلاد، من يعتبر المشاركة وسيلة للتغيير، ومن يعتبر هذه المشاركة تزكية للاستبداد. كان هذا حال الاتحاد الوطني للقوات الشعبية مثلا قبل مؤتمر 1975 الذي أقر المشاركة في المسلسل الديموقراطي وقطع مع الخيار الثوري، وهذا هو حال العدل  والإحسان اليوم التي تقاطع الانتخابات، وبطبيعة الحال داخل معسكر المشاركة هناك درجات، فلا يمكن مثلا مقارنة الاشتراكي الموحد بالتجمع الوطني للأحرار، ولا العدالة والتنمية بحزب الطليعة، وعموما هناك في البلاد يسار هو أكثر يمينية من اليمين، وهناك في الحكومة معارضون أكثر من أحزاب خارج الحكم، وهناك موضوع واحد يبدو واضحا ولكنه غاية في التعقيد بسبب خصوصية هذه النخبة المغربية، التي لا تذهب إلى الأشياء مباشرة وتنتقل بسهولة من الشيء إلى نقيضه بلا حرج، وهي عموماً جزء من طبيعة المغربي الذي يهرب من الحسم، كما يقول عبد الله العروي.

الموضوع هو احترام اختصاصات المؤسسات وتطبيق الدستور، والمشكل الجوهري فيه هو اختصاصات  المؤسسة الملكية الحاكمة مع اختصاصات الحكومة بكل بساطة، وطيلة مدة حكم هذه الحكومة في ظروف أحسن بكثير من الظروف المؤسساتية التي اشتغلت فيها الحكومات منذ عبد الرحمان اليوسفي إلى عباس الفاسي، لم نسمع من رئيس الحكومة إلا نغمة واحدة، وهي عدم التنازع مع المؤسسة الملكية والتعاون، ورئيس الحكومة ليس إلا رئيسا للحكومة ورئيسه هو جلالة الملك، بل تم الاحتفاء منذ 2011 بعدم تفعيل الدستور على علاته، وذلك في إطار منطق موجه للحزب الذي يقود الحكومة، وهو ما يسميه بـ "التدرج"، وكان يسير معه في هذا حزب المرحوم علي يعته.

وقبيل الانتخابات، ومع انتخاب إلياس العماري أمينا عامّاً لحزب الأصالة والمعاصرة، انقلبت الأمور أولا عند حزب العدالة والتنمية، وبدأت صواريخ ابن كيران تقصف في موقعة حملت اسم "التحكم" وماتزال، إلا أن هذا الاختيار المشروع مبدئيا كان ينقصه الوضوح والجرأة، لأن منطق "إيّاك أعني واسمعي يا جارة" كان ناجحا كمسلسل مشوق يستنبت المظلومية من الاستفزاز، وقد يكون مجزيا انتخابيا، إلا أنه في العمق نكوصي على مستوى تعميق المسلسل الديموقراطي، ولعل أخطر ما قاله ابن كيران في يوليوز الماضي وهو يتحدث مع من يعتبره عفريتا أو تمساحاً إنه "إلى بغيتونا احنا راه احنا بعنا شحال هادي"! وهذه التجارة التي يتحدث عنها رئيس الحكومة قالها بأشكال وألوان مختلفة، وهو لا يبيع فيها نفسه أو حزبه ولكن يبيع إرادة جزء من الأمة مجرورة اليوم مع موجة العصر المتسمة بصعود أسهم الإسلام السياسي في العالم العربي، كرد فعل مرحلي على الفساد والاستبداد كما كان اليسار في السابق.

فمن هو التحكم؟ لا جواب، لأن حصره في الأصالة والمعاصرة هو تهزيل له مادام المفهوم يتقوى بالغموض، ولهذا يمكن فهم تداعيات تصريحات نبيل بنعبد الله لـ "الأيام"، لأنها تجاوزت ما كان يقال في دائرة "الخاصة" بين الحلفاء إلى الخروج إلى "العامة" والحديث عن مستشار ملكي والتلميح ربما لما هو أكبر، ونقيصة بلاغ الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية هي أنه تضمن شبه نفي للصريح في عبارات الناطق الرسمي به، فالمشكل حسب نبيل هو من وراء البام، وعلى الأقل هذه خطوة أقل غموضا وحتى هي قامت القيامة من أجلها، وعلى الرأي العام أن يتلهى في لعب عاشوراء من مثل بلاغات الداخلية وأخبار عن مرشح هنا ومضايقة هنالك والعفاريت التي أخرجت مسيرة الدار البيضاء المضحكة المبكية وتغريدة وزير العدل والحريات الشاردة، وهلم عجائب وغرائب من جميع ألوان الطيف السياسي في هذه الحملة الانتخابية المغربية المخيفة.

إلى أين نسير والكل يخبط خبط عشواء؟ مع أن الرهان في النهاية هو حكومة تشتغل في هامش مرسوم وزعماء الإصلاح الثوار ضد التحكم راضون به. هم غير راضين عن شيء واحد، هو ألا يكونوا الأوائل وألا يقودوا الحكومة مرة أخرى، لأن هذا سيعني ببساطة في نظرهم تزوير إرادة الأمة؟! هذا مع العلم أن سوسيولوجيا الانتخابات في البلاد لا يمكن أن تسعف بالتكهن اليقين بأي نتيجة رغم حظوظ الإسلاميين البينة. لا يستقيم استحضار رئيس الحكومة في خطبة نارية لابن تيمية وللشهادة والرهان مجرد انتخابات، لا يستقيم خروج وزارة الداخلية في كل مرة للرد على رئيس بعض الوزراء، لا يستقيم أن تستعمل جميع الأساليب اللاأخلاقية في إطار نوع من الصراع الشخصي للظفر بالمقاعد ومن طرف الجميع، لا يستقيم هذ الشرخ الموجود في اللجنة المركزية المشرفة على الانتخابات بين وزيري العدل والداخلية دون حسم إما باستقالة أو بتحمل المسؤولية، لا يستقيم كل هذا العمل الدؤوب من أجل تعميق مسلسل العزوف، ولا يستقيم كل هذا العبث، واللهم قدر في قدرك اللطف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علامـات الساعـة علامـات الساعـة



GMT 13:17 2019 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ثلث المغاربة لا يفتخرون بمغربيتهم..لماذا؟

GMT 05:26 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي

GMT 03:32 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

تأملات على هامش ستينية الاتحاد الاشتراكي

GMT 00:36 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

في هجاء الريسوني

GMT 04:55 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

قراءة في طلاق ملكي

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya