العدالة والتنمية في مواجهة الدولة على رقعة الشطرنج

العدالة والتنمية في مواجهة الدولة على رقعة الشطرنج

المغرب اليوم -

العدالة والتنمية في مواجهة الدولة على رقعة الشطرنج

بقلم - نور الدين مفتاح

الطريقة التي أدار بها حزب العدالة والتنمية أزمته التنظيمية كانت هي الأكثر هتشكوكية من باقي الأحزاب. والمثير أنه في مغرب اليوم ليس هناك من حزب إلا وأصابته لعنة التطاحنات الداخلية. لنستعرض اللائحة:الأصالة والمعاصرة استقال أمينه العام وظلت الاستقالة معلقة إلى الآن، والحركة الشعبية كان قد اختير لها مشروع أمين عام بديل هو التكنوقراطي حصاد المصبوغ بلون السنبلة ولكن جرفه الزلزال السياسي لتبقى الحركة بدون بوصلة، وحزب الاستقلال قدم واحدا من أسوأ النماذج في تدبير الخلاف الداخلي في مؤتمر الصحون الطائرة، وأما الاتحاد الاشتراكي فقد توالت تمزقاته حتى وصل إلى ما هو عليه اليوم من هوان، واللائحة طويلة. وهنا يطرح السؤال الأهم من سؤال العدالة والتنمية: من هي هذه اليد التي تحرك طنجرة الحياة الحزبية في البلاد بهذه الطريقة التي يستشف منها أن الهدف في النهاية هو التأزيم والتقزيم؟ والسؤال المنطقي الذي يتبع هو هل رجال ونساء الأحزاب في المغرب مرضى وهم مشكلة السياسة في البلاد أم أن هناك سياسة مرسومة لئلا يكون هناك لا محافظون ولا تقدميون ولا إسلاميون ولا حداثيون في حالة صحية جيدة؟ 

صعب الجواب وسهل التخمين. ولنعد للإسلاميين لنطرح على مؤتمرهم سؤالا آخر، وهو هل انتصر البيجيديون على أنفسهم؟

لقد استطاعوا أن يخرجوا من مؤتمر صعب بنتيجة، وأكملوا هذه المحطة التنظيمية القاسية، وانتخبوا أجهزتهم وعادوا إلى بيوتهم والكل يضع كلمة العرس التنظيمي بين مزدوجتين. لقد وجد إخوان سعد الدين العثماني أنفسهم في غفلة منهم، وخلال بضعة أسابيع قبيل تشكيل الحكومة، في مربع آخر فجر تناقضات داخلية كامنة بينهم بشكل رهيب، وهو ما لا عهد لهم به، حيث ظل تناقضهم الأساسي طيلة أربعة عقود من حياتهم الحركية مع الدولة ومع خصومهم السياسيين. لم يفطنوا أبدا إلى أنهم يلعبون في رقعة شطرنج بحيث يوجد في الجانب المقابل لهم لاعبون بمهارات الأبطال الروس في الثمانينيات، كانوا في النهاية سذجا حين صدقوا أنه في المملكة المغربية يمكن أن يفرض حزب سياسي إرادته بمجرد حصوله على الرتبة الأولى في استحقاق انتخابي. لم يقرأوا سياق ترجمة فوزهم الانتخابي في 2011 إلى فوز سياسي بشكل جيد، ولا السماح باستمرار تجربتهم الحكومية آنذاك رغم  مآلات الربيع العربي السيئة، ولذلك صدموا بهذا الزلزال الذي ضربهم قبل غيرهم واستمرت تردداته إلى غاية الأحد الماضي، بحيث تحول فوزهم الانتخابي الساحق إلى خسارة فادحة على جميع المستويات.صحيح تم حفظ ماء وجههم نسبيا، فهم يرأسون الحكومة والمدن الكبرى، ولكنهم أضعف بكثير من قوتهم حتى قبل 2011: أضعف تنظيميا، بحيث أنقذوا مؤتمراً دون أن ينقذوا وحدة الصف، وأضعف شعبيا لأنه هناك سقف من الشعبية في المملكة مرسوم لا يمكن تجاوزه لا من طرف الزعماء ولا من طرف التنظيمات، وأضعف سياسيا لأنهم وجدوا أنفسهم في أسوأ زاوية مغلقة كما يجد لاعب الشطرنج نفسه وقد قال له منافسه Echec et mat، فلا حكومة بامتداد شعبي ولا قاعدة حزبية متراصة الصفوف ولا جاذبية عند الرأي العام ولا ربح مضمون للثقة مع الدولة.

لنطرح سؤالا آخر ربما يطرحه من يعتقدون أنهم خرجوا فائزين في مؤتمر الإخوان أكثر من غيرهم: هل بالتخلص من ابن كيران واستئصال تياره من الأجهزة التقريرية ربح العدالة والتنمية وبشكل نهائي اندماجه في دائرة الحميميين لمصدر القرار بالمملكة؟ هل اطمأن الآن مصطفى الرميد وعبد العزيز رباح ومحمد يتيم ولحسن الداودي وخليط من الصقور الدائخة والحمائم التائهة أنهم أدخلوا إلى دائرة غير المغضوب عليهم ولا الضالين؟ بكل صراحة العلم عند الله وعندهم هم الذين يقرأون الكتاب بالقرب من مؤلفيه.

إن حرب التقديرات السياسية للمرحلة كانت عنيفة، وفي النهاية أصبح هناك خياران، وهما إما الرهان على العثماني ومن معه أو الرهان على ابن كيران ومن معه. وحتى عندما سنحت الفرصة في النهاية للمنتصرين كي يوازنوا قرروا الحسم بالحزم، وترك تيار يشكل نصف الحزب تقريبا خارجا بخفي حنين، والمشكل أنه يبدو أن الخوف من الشبهة أصبح جزءا من القناعات السياسية لتيار المهادنة، ولا ضمانات بالطبع للجميع مهما فعلوا سوى أنهم انبطحوا اعتقاداً منهم أن هذا هو الطريق الأقل وعورة للاستمرار في البقاء مع دولة متوجسة ومحيط إقليمي متبرم من الإسلام السياسي.

ما الذي سيجري الآن؟

كل شئء ممكن. ويبدو أن ابن كيران كان في كل مرة يقدم فيها تنازلا إلا وتأتيه صفعة إضافية. تنازل بعد إزاحته من الحكومة فأدخلوا الاتحاد الاشتراكي الذي اعتبر إهانة قاسية له، وتنازل عن زج المؤتمر في أتون المادة 16 فاستأصلوا  تياره من الأمانة العامة، واليوم قد يقدم على أي شيء يرى فيه المصلحة كما يتصورها، والغريب أن خصومه اليوم داخل حزبه ينسون شيئا مهما، وهو أن السبب الذي دفعهم للتخلص من رئيسهم السابق قد ينقلب عليهم ويصبح المعيب اليوم هو المرغوب غدا. إذن فإما أن يستعجل ابن كيران التاريخ ويخرج بتنظيم جديد يعلم الله حظوظ نجاحه في بلاد لا شيء فيها مضمون، أو أن ينتظر خمس سنوات أو أقل ليعود إذا برزت الحاجة له، فالمستحيل في السياسة هو المستحيل.

وأما حلفاء العثماني اليوم فليس لهم من خيار آخر غير النجاح ليبرهنوا على صواب اختيارهم، وليقنعوا ليس قواعد حزبهم ولكن المليونين ممن صوتوا عليهم بأن ما قاموا به هو الممكن، وأنهم بالممكن استطاعوا أن ينتصروا للإصلاح وأن حصيلتهم تتكلم عنهم. إذا نجحت الحكومة سيبقى حزب العدالة والتنمية حزبا كباقي الأحزاب أمامه استحقاقان انتخابيان قد يتصدر فيهما النتائج، وإذا فشلت فمقبرة الصدارة جاهزة، وهل لمغربي ينتظر الخلاص لملايين الفقراء والمحرومين أن يتمنى فشلا للحكومة؟ أبدا، ومهما كان الخلاف في التقدير السياسي فالحزب وسيلة والمهم هو النتيجة، والمؤلم أن الحظوظ حسب المقدمات تبقى ضعيفة والله أعلم وبعباده أرحم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدالة والتنمية في مواجهة الدولة على رقعة الشطرنج العدالة والتنمية في مواجهة الدولة على رقعة الشطرنج



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya