لا لتكرار خطأ 1994 مع الجزائر

لا لتكرار خطأ 1994 مع الجزائر

المغرب اليوم -

لا لتكرار خطأ 1994 مع الجزائر

بقلم ـ نور الدين مفتاح

كان كاتب هذه السطور دائما مع تجسير العلاقات بين المغرب والجزائر مهما كانت الصعوبات، ومع عدم صب الزيت على النار كلما ظهرت شرارة هنا وهناك، وشاركت في عدة لقاءات تهم بالخصوص قادة الرأي العام في البلدين، وكان رأيي أن السياسيين يشعلون النيران بعيدا عن الشعوب، ولا يجب في الإعلام أن نتقمص دور التأجيج ولكن دور الإطفائيين، وأتذكر جيدا وأنا صحافي بجريدة "الاتحاد الاشتراكي" سنة 1994، عندما صدم المغاربة بإطلاق النار في قلب مراكش في ما سمي بعملية "أطلس آسني"، أنني امتعضت من قرار المغرب إغلاق الحدود بينه وبين الجزائر، بدعوى أن منفذي العملية الإرهابية جاؤوا من الحدود الشرقية، لأن التناسب بين الواقعة المؤلمة ورد الفعل لم يكن مبنيا على تروٍّ سياسي، ولكن على انفعالات غالبا ما تترك آثارا جانبية بعد برودها.


وعلى الرغم من أن الجزائر تحتضن جماعة مسلحة خاضت حربا ضروساً ضد المغرب، وعلى الرغم من أنها دفعت هذه الجماعة من تندوف إلى إعلان جمهورية صحراوية لا تعترف بها الأمم المتحدة لحد الآن، وعلى الرغم من أن القضية الأولى في أجندة كل الطبقة السياسية الموروثة من الحرب الباردة في الجزائر هي معاداة المغرب، وأن الملف الرئيسي لدى الخارجية الجزائرية هو التصدي للمغرب في حالة فريدة في عالم اليوم، فإن الأمل ظل يراود دائما نخباً عديدة هنا وهناك، عملت وتعمل على النفخ في كل بوادر أمل التقارب ولا تعدم الحجج، ومنها أن نترك ملف الصحراء للأمم المتحدة وأن تفتح الحدود، وأن نوقظ اتحاد المغرب العربي من سباته، وأن نتعاون أمنيا واقتصاديا ونحن محتاجون لبعضنا البعض ومتكاملون، وأن نسمح لشعبين لا يعترفان بالمشاكل السياسية المختلقة بالتلاقي والتزاور والتآخي، وأن نربح من أجل هذين الشعبين نقاطا إضافية مضمونة في معدل النمو تترجم إلى مئات الآلاف من مناصب الشغل ومن التحسينات للحياة اليومية للمواطنين، وأن نعمل بشكل مشترك مع شركائنا الأوربيين ليكون موقفنا أقوى وأنجع، وأن نفيد ونستفيد من قارتنا الإفريقية المحتاجة لمغرب وجزائر متعاضدين لا ممزقين، وواوات العطف بلا نهاية في هذه النوايا الحسنة التي بقيت لخمسين سنة وأكثر مجرد نوايا، ويا لفداحة الخسارة!


رغم كل القناعات الشخصية، ورغم حصيلة الفرص الضائعة، فإنني صعقت ليلة الجمعة الماضية وأنا أسمع رئيس الديبلوماسية الجزائرية الجديد عبد القادر مساهل وهو يهوي إلى مستوى لا قرار له، وينعت الأبناك المغربية بأنها تبيض أموال الحشيش، وشركة الخطوط الملكية المغربية بأنها لا تنقل المسافرين فقط ولكن أشياء أخرى، في تلميح للحشيش، وذلك في رد متشنج للسيد الوزير على رجال أعمال كان ضيفا على منتدى لهم حاسبوه على النجاح المغربي الباهر في التغلغل الاقتصادي في إفريقيا بمنطق رابح رابح والضمور الجزائري البيِّن.


وليزيد السيد الوزير في الطين بلّة أكد أن رؤساء دول أفارقة هم الذين أخبروه بما يمكن أن نترجمه بالواضح بأن المملكة المغربية هي تاجرة حشيش في القارة السمراء والله أكبر.


إذن، مهما كانت قوة قناعتك بضبط نفسك والتجاوز، فإن الوزير مساهل نجح في أن يفجر الكفر بأي أمل في جزائر  عاقلة لدى المغاربة، وفجر مع هذا رغبة غريزية في رد الصاع صاعين، وفي دفع أكثر الناس اتزانا إلى النزول إليه وهو الذي أخذته العزة بالإثم واختار الصفاقة وقلة الحياء ليجعلهما أسلوبا في تدبير علاقاته الثنائية مع دول أخرى، بحيث لم يستثن من تقريعه لا مصر التي اعتبرها ماكينة لطلب القروض، ولا تونس الغارقة حسبه في مشاكلها العويصة عكس الجزائر الفاتنة (وهذه كلمة من عندنا لأنها لا توجد في قاموس مساهل ولو كانت من أجل بلده)، والتي يجب على رجال الأعمال والشعب الجزائري أن يحمدوا الحكومة ويشكروا مساهل عليها.


كان المطلوب ردا قويا. وكإنسان، وفي تلك الليلة، كنت أتصور أن قطع العلاقات مع هذا الجار الملعون كنظام هو أسلم قرار، ولكن مع التريث بدا لي أنه حتى في هذه يجب علينا كمغاربة ألا نعيد خطأ 1994. لقد كان رد الخارجية المغربية راقيا، وترفع عن ترهات وزير خارجية أساء لنفسه ولبلاده قبل أن يسيء للمملكة المغربية، وأهم وأبلغ ما يمكن أن نسطر عليه في الرد المغربي هو أن مساهل كان يلمح إلى أن أموال الحشيش المفترض هي سبب النجاح المغربي في إفريقيا، إلا أن "الانخراط من أجل إفريقيا لا يمكن اختزاله في مجرد مسألة موارد مالية وإلا تحققت للجزائر بإيراداتها النفطية نجاحات بهذا الصدد".


من حقنا رغم كل الترفع المطلوب أن نسمي الأشياء بمسمياتها، إن تصريحات وزير خارجية بلد بهذا الشكل هي عمى سياسي وعته وطيش ودناءة وخبث، ولكل كلمة مما قلت حيثيات. وللذين قالوا من الجزائريين إنه لو أرادت الجزائر أن تحاسب المغرب عن كل شتم لها لاستدعت السفير المغربي يوميا، نقول إن أي مسؤول مغربي لم يصل إلى الحضيض الذي بلغه مساهل رغم أن هذا الأخير ليس كاتب رأي أو حزبيا أو ناشطا مدنيا زل لسانه، وهذا يمكن الرد عليه من موقعه، ولكن الذي اتهم دولة جارة بالاتجار الدولي في المخدرات هو رئيس الديبلوماسية الجزائرية، ونحن لا نأوي حركة مسلحة ونمولها ونجعلها قضيتنا الأولى تطالب بانفصال الصحراء عن الجزائر. نحن لا نجعل من الملف الجزائري أولوية أولويات البلاد، بل هي الجزائر التي اختارت هذا، وعلى المغرب ألا يشتكي وأن يشكرها على وصف الرباط بالدولة الاستعمارية وأن يتجاوز المطالبة بتقرير المصير للصحراويين كذريعة ليتبنى نتيجة مسبقة له أصبحت في أدبيات السياسة الجزائرية الرسمية، هي أن المملكة المغربية تحتل الصحراء الغربية. غريب هذا القدر الذي لا نتمناه لأي جارين في العالم، وككل قدر لا خيار لنا إلا أن نحمد الله على خيره وشره، وأما مساهل ففي المحصلة هو كوجه للديبلوماسية الجزائرية ربح للمغرب، ففي طيات كل نقمة نعمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا لتكرار خطأ 1994 مع الجزائر لا لتكرار خطأ 1994 مع الجزائر



GMT 16:49 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

التطبيع والقضية وبعض المسائل المسكوت عنها

GMT 17:39 2020 الجمعة ,04 أيلول / سبتمبر

ليست مسألة حكومة

GMT 15:15 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

أخبار اسرائيل سيئة مثلها

GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين

GMT 20:47 2018 السبت ,08 كانون الأول / ديسمبر

"الوطني للسكك الحديدية "يعلن عن تخفيضات في تذاكر القطار

GMT 10:42 2018 الثلاثاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

حركة إعفاءات وتغييرات جديدة في صفوف الدرك الملكي

GMT 02:26 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

ورق جدران بألوان جذابة لديكورات غرف معيشة مبهجة

GMT 22:03 2018 الإثنين ,06 آب / أغسطس

صعقة كهربائية تودي بحياة شاب في سلوان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya