سيناريو البحث عن سيناريو

سيناريو البحث عن سيناريو!

المغرب اليوم -

سيناريو البحث عن سيناريو

بقلم :نور الدين مفتاح

الواضح أن حبّات سبحة الحكومة تتساقط تباعاً، وما استقالة الوزير الداودي إلا واحدة. ومشكلة الحكومة المغربية أنها خرجت أصلا من خيمة عنوانها الهشاشة وتصادفت في طريقها مع الأهوال، من حراك الحسيمة الذي كان واحداً من أخطر الامتحانات أمام الدولة المغربية وبعده احتجاجات جرادة، ثم حملة المقاطعة التي ترتعد لها فرائص حتى أقوى المتفائلين.

وقد رأينا من المؤشرات ما يبعث على الخوف، بحيث إنه من المرات النادرة أن نجد متظاهرين يهتفون برحيل الوزير عزيز أخنوش أمام الملك، كما أن الحملة الشعبية المنبثقة من  عالم التواصل الاجتماعي وصلت إلى مدى لم يكن منتظرا وسببت أضراراً واقعية لمن تمت مقاطعتهم، أجبرت الحكومة على اختيار طريقة للمواجهة أدت فيها الثمن باهظا، بحيث إن الأساليب التي استعملت لحد الآن للوقوف أمام المد الذي كان يعتبر افتراضيا نجحت في شيء واحد، هو تأجيجه في الواقع وتعرية الضعف الشديد لمؤسسات البلاد باستثناء المؤسسة الملكية.

إن حكومة السيد سعد الدين العثماني غير محظوظة البتة، فقد نشأت وسط الزوابع وافتقدت كاريزما التأثير من أجل التغيير، واليوم بعدما تأكد للجميع استحالة مواجهتها للتحديات المطروحة أمامها، فإن السؤال المؤرق يبقى هو ما هي السيناريوهات المطروحة أمام المملكة المغربية لاسترجاع زمام المبادرة وعدم ترك المركب هكذا تتقاذفه الرياح؟

إن التأكيد على أن العدالة والتنمية تضرر بعد ملابسات البلوكاج الحكومي من باب تحصيل الحاصل، بل بدون مبالغة يمكن أن نقول إن المغرب خسر قوة آخر الأحزاب المنظمة الشعبية في فضائه السياسي، ولكن بالمقارنة مع ما هو موجود في السوق، يبقى حزب إسلاميي المؤسسات إلى حدود اليوم في الصدارة، ولو أن المثل الشعبي ينطبق عليه "العمش وسط العميان كحل العيون".

والمشكلة ليست في من هو الأول اليوم ولكن في من لايزال يحظى بالثقة الشعبية، وهنا سنجد أن الجواب عن السيناريو المحتمل للخروج من البلوكاج السياسي سيتحول إلى سؤال ميتافيزيقي. لقد احترقت كل الأوراق، ولولا أن التركيبة الدستورية المغربية لا تجعل الدولة متكئة على الحكومة فقط لكنا إزاء ما لا تحمد عقباه.

إن الحزب الذي يتوفر على 102 برلماني كثاني قوة تمثيلية في البرلمان هو في عداد المنتهين، وقد توالت عليه الهزائم بسبب خطيئة الولادة من جهة وسوء التقدير السياسي من جهة ثانية، حتى أصبح حصانا خاسرا لا يمكن حتى لأصحابه أن يراهنوا عليه في أي تغيير، وحتى إذا قلبنا معادلة اليوم، وأعطينا لحزب الأصالة والمعاصرة زمام قيادة تحالف حكومي جديد -وهذا غير مستبعد دستوريا-، فإنه ولو جاء بحلول ربانية لمعضلات دنيوية فإن لا أحد سيباركه، فالصورة التي ترسخت لدى الرأي العام عن حزب البام هي صورة السلطوية والوصولية حتى وإن كانت صورة لا تعكس واقع العديد من أطره، فهناك فرق مفهوم في السياسة بين وجه التنظيم كما يترسخ عند الجمهور وجزء من حقيقته، أما إذا كان جزء من حقيقة الهيئة مرتبطا بمعارك معاكسة الإرادة الشعبية، فهذا يقضي على أي أمل في أن ينقاد الناس لحزب لا يؤمنون بصدق نواياه ولا استقلاليته.

إن سيناريو البام سواء الآن أو في 2021 هو سيناريو أسوأ من الإخراج الذي انبثقت عنه حكومة العثماني، خصوصا وأن قائده الجديد السيد حكيم بنشماس بدأ بخرجة غير موفقة تماما، عندما عاد لتكرار أن أولوية حزبه هي محاربة المد الإسلامي، وكأن ساعته ماتزال متوقفة عند تأسيس "حركة لكل الديموقراطيين" وقبل دخول ابن كيران وأصحابه إلى الحكومة! والسيد بنشماس هو رئيس مؤسسة دستورية، أي أنه رئيس المد الليبرالي والمد الإسلامي والمد والجزر أيضا، علاوة على أن اختيار بنشماس أصلا كواجهة للحزب لم يعط رسالة تغيير كافية عن صورة الحزب النمطية.

وأما الورقة التي كانت إلى حدود الأمس القريب محظوظة فقد سقطت، وهذا فصلنا فيه في افتتاحيات سابقة، فالسيد عزيز أخنوش أخرج في الوقت غير المناسب ليقوم بدور تكسير اندفاع ابن كيران بعد انتصاره الانتخابي المفاجئ وهزيمة إلياس العماري المزلزلة. لقد نجح الزعيم الجديد للأحرار وشق تماسك العدالة والتنمية، وفرض شروطه وأذل خصومه ولكن رصيده تبدد في هذه العملية قبل حتى المقاطعة، بل إن المقاطعة ربما استمدت جزءا من قوة انتشارها من هذه التربة التي دفع أخنوش لتسميدها دفعا، وها هو اليوم في عداد المتجاوزين، وبقاؤه في الحكومة هو ضرر يومي بعدما كان نجاحا معتبرا خلال ولايتين في وزارة الفلاحة، وأما الرهان عليه في سيناريو مقبل فهو العبث بعينه.

يتحدث البعض عن حزب الاستقلال الذي توارى للخلف ليتسنى له محو الندوب التي خلفها اقتلاع شباط من الجذور التنظيمية لحزب سيدي علال، وقد قدم نزار بركة مذكرة محترمة لتعديل قانون المالية بأفكار مرقمة وقابلة للتنفيذ، إلا أن الحزب لحد الآن يبقى غير جاهز لأن نزار نفسه لم يقدم لحد الآن صورة قوية لأمين عام يملأ كرسيه، ولأن الحزب الأقدم أصبح عمليا في يد "ملك" الصحراء حمدي ولد الرشيد، وهذا يجعله عرضة لهزات تنظيمية محتملة في أي وقت، والأهم من كل هذا أن صورة الحزب انهارت بعد المرور الشباطي وتلزمها سنوات للترميم.

إننا أمام سيناريو البحث عن سيناريو، والغريب أنه كلما تقوت أسلحة الرأي العام ضعفت أسلحة مدبري الشأن العام، وهذه معادلة جديدة تجعل موازين القوى تختل رويدا رويدا لصالح المطالب الشعبية، وهذا ما جرى في الأردن وما يمكن أن يجري في المغرب، لأن الضغط على الطبقة الوسطى بالخصوص والاحتقان في الطبقات السفلى في المجتمع قد وجد في التعبئة في مواقع التواصل الاجتماعي ما يمكنه من أن يفرض التغيير، وإذا لم تكن هناك أداة جاهزة لهذا التغيير أو كانت الأداة تحاول معاكسة تيار المطالب المشروعة الهادر، فإن الاحتمالات الأسوأ هي التي تنتصب.

 حفظ الله هذه المملكة الجميلة بما حباها الله والمكلومة بما فعله البعض من أبنائها غير البررة بشعبها الحزين. وعيد مبارك سعيد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيناريو البحث عن سيناريو سيناريو البحث عن سيناريو



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya