هل هو ضروري كل هذا الاستنفار من أجل الحرب في الصحراء

هل هو ضروري كل هذا الاستنفار من أجل الحرب في الصحراء؟

المغرب اليوم -

هل هو ضروري كل هذا الاستنفار من أجل الحرب في الصحراء

بقلم - نور الدين مفتاح

ليس اعتباطيا أن يجتمع البرلمان يوم عطلة ولا أن يجتمع رئيس الحكومة مع زعماء الأحزاب السياسية يوم أحد، ولا أن تستنفر الدولة المغربية كل طاقاتها التواصلية والتعبوية لدرجة أن أرسل ممثل المملكة بالأمم المتحدة الديبلوماسي القديم عمر هلال رسالة تحذيرية لرئيس مجلس الأمن، يتحدث فيها بلا مواربة عن "أن تحريك أي بنية مدنية أو عسكرية أو إدارية أو أيّاً كانت طبيعتها للبوليساريو من مخيمات تندوف في الجزائر إلى شرق الجدار الأمني الدفاعي للصحراء المغربية يشكل عملا مؤديا إلى الحرب". هذا يعرف بحالة الاستنفار العسكري القصوى، وأدبيا بكون طبول الحرب قد دقت. وحتى إن وصل حماس أحد البرلمانيين المغاربة لدرجة القول إن طلعتين جويتين من طرف القوات المسلحة الملكية كافيتان لمحو آثار البوليساريو من المنطقة العازلة، فإن الخيار العسكري دائما يبقى مؤلما وقاسيا ومكلفا، وإن استدعته الضرورة يكون آنئذ شرا لابد منه.

ومعلوم أن المغرب معروف بجنوحه للحل السياسي والديبلوماسي وليس للحلول العسكرية، وهذا وقع في حرب الرمال مع الجزائر سنة 1963 عندما أمر الراحل الحسن الثاني الجينرال بنعمر بالتراجع وهو منتصر، مما جعله يرمي بزته العسكرية غضبا تحت رجلي الملك بمراكش، وحدث في التدرج في الحصول على الاستقلال وفي اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، وفي الاتفاق المرّ مع إسبانيا سنة 1975 والاضطرار في مرحلة أولى لاقتسام الصحراء مع موريطانيا قبل انسحابها واسترجاع وادي الذهب سنة 1979، وفي التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار سنة 1991، وقبل هذا في قبول مبدأ الاستفتاء على الصحراء التي تعتبرها الأغلبية الساحقة من المغاربة غير قابلة لأي استفتاء، ثم الانخراط في مسلسل أممي شاق ومكلف وتجرع موقف الجلوس مع جبهة البوليساريو وهي لا تمثل إلا جزءا من الصحراويين اللاجئين، والخضوع طيلة عقود للإنهاك بمناورات الخصم الحقيقي، وهو الجزائر التي امتطت في كل مرحلة ذريعة، من تقسيم الصحراء إلى حقوق الإنسان فالثروات.

فما الذي يجعل المغرب الحريص على الالتزام بالقانون الدولي وبالقرارات الأممية وبالمسار السلمي لحل النزاع يضع نقطة نظام ويعلن أن السيل قد بلغ الزبى؟

الجواب بشكل مباشر هو أن مجموعة من البوليساريو عمدت يوم الخميس الأخير من شهر مارس إلى نصب خيام بمحاذاة الجدار الأمني المغربي جهة المحبس، في استفزاز آخر للمغرب، إلا أن الأسباب الحقيقية هي أعمق وتتعلق بالمنطقة العازلة برمتها. فلابد أن نعرف أن مساحة الصحراء المغربية تتجاوز المائتين وستين كلم مربع، وهي ثلث مساحة المغرب، وتشكل المنطقة العازلة ربع مساحة الصحراء تقريبا، وقد تكونت هذه المنطقة بعدما بنى الراحل الحسن الثاني الجدار الرملي على طول الحدود الجنوبية الشرقية مع موريطانيا والجزائر، والذي يبلغ طوله 2360 كلم. ولئلا يصطدم الجيش المغربي مع أحد الجارين، فضل الملك أن يترك شريطا واسعاً كمنطقة أقرتها الأمم المتحدة منطقة عازلة منزوعة السلاح تحت إشراف المينورسو، ولكن هذا لم يكن إلا التزاما من طرف واحد، وهو المغرب، في حين أن البوليساريو قبل عقود أعلنت هذه المنطقة أراضي محررة! وشيدت فيها مراكز سمتها مدنا وأعلنت بئر لحلو مثلا عاصمة مؤقتة لجمهوريتها غير المعترف بها من طرف الأمم المتحدة، وهي تبعد عن تندوف بأكثر من 200 كلم إلى الجنوب الغربي، وفي بئر لحلو استقبلت الجبهة الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، وهذا ما أثار حفيظة المغرب لدرجة أنه طرد جل أعضاء بعثة المينورسو، كما أنه في بئر لحلو تم دفن زعيمهم السابق محمد بن عبد العزيز سنة 2016،  وبها تعقد اجتماعات لما يسمى بحكومة الجمهورية الصحراوية وتقام تظاهرات واستقبالات.

كما تم اعتبار تيفاريتي التي لا تبعد عن مدينة السمارة إلا بـ 18 كلم العاصمة الثانية للجمهورية المزعومة، وشيدت فيها بعض المنشآت لمرافق عمومية ومساكن، وقد خططت البوليساريو منذ 2008 لنقل سكان المخيمات من تندوف إلى تيفاريتي. وبعيدا عن هذه الدائرة التي توجد في أقصى شمال المنطقة العازلة، تتخذ البوليساريو مراكز أخرى في الوسط كالميجق والجنوب كأكونيت للقيام باستعراضات وإيواء مراكز للتدريب والقيام ببعض الأنشطة، ولنقرب الصورة فالمساحة الفاصلة بين بئر لحلو والكركرات الموجودة على الواجهة الأطلسية في قدم الصحراء المغربية قد تصل إلى 1500 كلم، وعموماً تبقى مساحة المنطقة العازلة شرق وجنوب الجدار مهمة بحيث تعادل نصف مساحة تونس وأربعة أضعاف مساحة الكويت مثلا.

لقد تساهل المغرب لسنوات مع خروقات البوليساريو الواضحة والفاضحة في تحويل طبيعة المنطقة لأنه كان مقتنعا أن هذا الوضع ليس دائما، فمع الحل السلمي ستحل كل هذه العوارض، إلا أن الأمور جرت بما لم يكن في الحسبان، وبدل المؤقت نكاد ندخل في الدائم، وبدل التساهل بدأنا نكرس من حيث لا نريد وضعا نعاين فيه أن دويلة بصدد التشكل فوق التراب المغربي دون أن نحرك ساكناً. فأن تعلن البوليساريو أنها شكلت دولة فوق تراب دولة أخرى، وهي الجزائر، فهذه مزحة لا تعنينا، ولكن أن ترسخ بنيات متنامية في أراضي تركها المغرب طواعية في إطار اتفاقات وقف إطلاق النار، فهذا اعتداء سافر لابد له من حزم.

والغريب فعلا هو أن تقيم البوليساريو الدنيا ولا تقعدها عندما خرجت القوات المغربية لحل مشكل التهريب في ما يسمى بقندهار بالكركرات ببضع مئات من الأمتار عن الجدار، في حين أن البوليساريو تحتل ما يناهز السبعين ألف كلم!!! وتتجول فيها بكل حرية وبعتادها الحربي دون أن تجد رادعاً من المينورسو!

إن السؤال الصحيح في الحقيقة ليس هو ما الذي جعل المغرب اليوم يدق طبول الحرب، ولكن هو لماذا لم تلجأ المملكة إلى الخيار العسكري منذ سنوات ضد هذا اللعب بالنار من طرف جمهورية فاقدة لمقومات الدولة وتبحث عن مكمل، وهو الأرض. لقد دخل هذا الأسبوع المغرب مرحلة جديدة في تدبير النزاع، فنتمنى ألا تكون فورة عابرة، لأن النقطة لابد أن توضع على حرف المناطق العازلة والسلام.

وهناك في اعتقادي أسباب أخرى رديفة بمسألة التلاعب بالوضع القائم وبمسلسل التسوية، وهي أن المقاربات التي جربت منذ وقف إطلاق النار إلى الآن بينت أنها اصطدمت بالباب المسدود، لأننا والمنتظم الأممي كنّا ندق في الباب الخطأ، صحيح أن المغرب منذ البداية ظل يعتبر الجزائر هي مالكة مفتاح الحل ومفتاح قفل إرادة قيادة البوليساريو، ولكننا لم نكن نرتب على ذلك مواقف حاسمة، واجتررنا مفاوضات ولقاءات ومخططات، وانتهينا إلى جبهات تتجدد بلا نهاية. وأعتقد أنه منذ خطاب الملك محمد السادس بالرياض، الذي هاجم فيه ابتزاز بعض القوى العظمى، والطريق المغربي يتعبد في اتجاه ثان، وهو الوضوح ووقف المهزلة، وهذا ما بدأ تطبيقه مباشرة بعد تعيين المبعوث الأممي الجديد للصحراء السيد كوهلر، فلا مفاوضات إلا مع المعني المباشر بالنزاع، وهو الجزائر، ولا تهويل في المسلسل الأممي ولا انخراط في استراتيجيات الاستنزاف في موضوع الثروات وحقوق الإنسان، وما نفهمه من تعبئة اليوم التي يقودها الملك محمد السادس وهو في فترة نقاهته بباريس هو أنه لا للكيل بمكيالين في المنطقة العازلة بالصحراء، ولا للمساعدة على إنبات دويلة وراء الجدار بالتساهل وغض الطرف.

نتمنى السلم ونهاية النزاع بحل وسط، ولكن لماذا توجد القوات المسلحة الملكية إذا لم تردع من يُعلن قيام عاصمتين لدويلة بلا ملامح على ترابنا الوطني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل هو ضروري كل هذا الاستنفار من أجل الحرب في الصحراء هل هو ضروري كل هذا الاستنفار من أجل الحرب في الصحراء



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya