بركة الحاجة الحمداوية

بركة الحاجة الحمداوية

المغرب اليوم -

بركة الحاجة الحمداوية

بقلم - نور الدين مفتاح

مر المجلس الوطني الاستثنائي للعدالة والتنمية بسلام في الوقت الذي كانت درجة الحرارة التنظيمية في الحزب جد مرتفعة، وهذا شيء محمود بالنسبة للمشهد الحزبي الوطني. ففي ديموقراطية تبحث عن أعمدة لتثبيتها بالمملكة الشريفة، لابد من تعددية حقيقية تعكس التيارات المجتمعية المختلفة، ولابد من تنافس قوي بين أحزاب قوية على التمثيلية، وبدون هذا سنجد أنفسنا أمام إعادة شريط حراك الحسيمة بشكل مأساوي، بحيث تفقد الثقة في الأحزاب والمؤسسات ويأخذ الشارع غير المنظم بزمام الأمور، وتتعقد سبل حل المشاكل بالتدافع السلمي.
 
مؤسف من هذا المنطلق ما يقع في حزب الاستقلال بغض النظر عما فعله حميد شباط أو غيره، لأن العيب ليس في من نفذ، ولكن في من خطط لضرب عصفورين بحجر واحد، من جهة حكومة الإسلاميين، ومن جهة أخرى القوة التنظيمية لأقدم حزب سياسي في البلاد. ومؤسف ما وقع في الاتحاد الاشتراكي حتى صار رقما ضعيفاً في المعادلة السياسية في البلاد، ولم يتقو إلا بملابسات "البلوكاج" ومناورات تشكيل حكومة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها لا تعكس حقيقة نتائج الانتخابات.
 
ولنا أن نتصور لو بقي حزبا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاستقلال كما كانا على عهد الراحلين عبد الرحيم بوعبيد وامحمد بوستة، ألن نكون إزاء مشهد سياسي مغاير تماماً يعطي على الأقل إمكانية تناوب حقيقي بين الإسلاميين ومن يدور في فلكهم وبين الأحزاب التاريخية؟! ألن نكون إزاء حكومة أقوى حتى إذا تحالف هؤلاء مع بعضهم البعض، بدل أن يكون المغاربة مضطرين للتصويت على إخوان العثماني فقط لأنهم قرروا معاقبة أحزاب الكوكوت مينوت؟
 
إن هذا الأسف على الماضي هو الذي يدفع إلى الارتياح لنصف نجاة حزب منظم يعمل في الشرعية وداخل المؤسسات من الانهيار. لقد ذاق إسلاميو المؤسسات في المغرب من كأس الدولة المرّ، وجرّبوا كل شيء من حلم الثورة إلى واقع الحكومة، وكأي بشر، فهم تغيروا وسيتغيرون، فليس الانتماء إلى تنظيم إسلامي أو حركة دعوية توقيعاً على ملائكية العضو، بل هي الدنيا، وهي المنافع، وهي السلطة وسحرها، وهو الجاه وهي الثروة، وكل هذا يدفع إلى التأثير على المواقف ويخلق الاصطدامات، زد على ذلك الحساسيات الفردية والغيرة، وهذا غير مرتبط بحزب ولحية، ولكنه طابع عام في التاريخ وفي جميع الدول، بما فيها الإمبراطوريات الإسلامية.
 
لقد كانت كلمة عبد الإله ابن كيران حاسمة في تنفيس المحتقن من الأنفس، وتليين الاندفاع ومسك عصا الخلافات من الوسط في المجلس الوطني الاستثنائي، ووصل به الأمر إلى حد الاستشهاد بالحاجة الحمداوية وهو ينشد أغنيتها الشهيرة: "خوتنا يا الإسلام.. هزو بينا العلام، وزيدو بينا لقدام.. إلى خيابت دابا تزيان"، وأردف كعادته بطريقته التي لا تقلد: "واش ولاّت الشيخة كتفهم أكثر منا آلإخوان؟".
 
وهذا كلام حمّال لأوجه، لأن الأمور التي ساءت وستتحسن هي تأكيد على أن حالة الحزب واختياراته ليست على ما يرام، وأما أنها ستتحسن، فهذا لا تحديد فيه للطريقة. وطيلة ستين دقيقة، ظل ابن كيران يسير على خطين: خط التجاوز والتسامح واعتبار ما جرى في الحزب كبوة، والنظر إلى مكتسبات الواقع، ومنها رئاسة الحكومة وأكبر فريق في البرلمان، ورئاسة أغلب المدن الكبيرة، وعدم التهويل، وخط آخر هو تثبيت الموقف من عدم الاتفاق على ما جرى بعد إزاحته من رئاسة الحكومة، من البوح بتفكيره في تقديم الاستقالة وهو في العمرة إلى كشف تألمه من تراجع العثماني عن الموقف من دخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة، إلى الإقرار بممارسة بعض القياديين ضغوطا على مخالفين لهم لعدم التعبير عن رأيهم، وغير هذا كثير.
 
لقد نجح المختلفون في القيادة في تأجيل تناقضاتهم إلى غاية المؤتمر بعد خمسة أشهر، وخلال هذه المدّة قد تجري الكثير من المياه تحت جسر حي  الليمون بالرباط. فتطورات الأوضاع التنظيمية داخل حزب العدالة والتنمية غير مرتبطة اليوم بالتنظيم فقط ولا بحركته الدعوية، ولكنها مرتبطة أيضا بالعلاقات مع الدولة ومع القصر خصوصا، وبالمحيط الإقليمي والدولي أيضا.
 
فلابد لكل تحليل صائب أن يستحضر أن مشاكل الإسلاميين في المغرب الأقصى هي أقل سوءا من مصائر الإسلاميين في كل التجارب الأخرى بعد ما سمي بالربيع العربي، وهذا يحسب للملك في المغرب الذي اختار طريقا آخر غير الاستئصال، وهذا ترك تقديرات إخوان ابن كيران تتباعد شيئا فشيئا، وقد يجمعها القدر وقد تتفرق بهم السبل، فليس هناك مستحيل في السياسة، ومن علامات أزمة هذا التنظيم اليوم أن يلخص مصيره في هل سيتم التمديد لابن كيران لولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة للحزب بتغيير القانون الأساسي أم لا؟
 
على بعد أقل من نصف عام سنكون إزاء مؤتمرين، واحد للاستقلال وآخر للعدالة والتنمية، ومصلحة المغرب تقتضي أن ينجحا في تثبيت استقلالية قرارهما وأن يعودا بلياقة للمشهد السياسي، ليساهما في ما ينتظر من تغيير للأوضاع المزرية لمغاربة ما زالوا ينشدون مع الحاجة الحمداوية عيطة أخرى تلائم أوضاعهم: «دبا يجي آلكبيدة دبا يجي .. عذبتني بكذوبك شي ما جا».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بركة الحاجة الحمداوية بركة الحاجة الحمداوية



GMT 00:03 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

إذا كانت إيران حريصة على السنّة…

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب يطرد المدعي العام

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

نَموت في المجاري ونخطىء في توزيع الجثث!

GMT 00:00 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

فى واشنطن: لا أصدقاء يوثق بهم!

GMT 00:02 2018 السبت ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

استعدوا للآتى: تصعيد مجنون ضد معسكر الاعتدال

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"

GMT 13:01 2019 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

رودريجو يكشف عن شعوره الأول لحظة مقابلة زين الدين زيدان

GMT 16:29 2019 الجمعة ,04 تشرين الأول / أكتوبر

مغربي يقدم على قطع جهازه التناسلي لسبب غريب

GMT 09:59 2019 الإثنين ,26 آب / أغسطس

"رئيس الوصية"..على أبواب قصر قرطاج
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya