ما وراء ظلال جريمة شمهروش

ما وراء ظلال جريمة "شمهروش"

المغرب اليوم -

ما وراء ظلال جريمة شمهروش

بقلم - نور الدين مفتاح

أولا لابد من الإقرار بأن ما جرى في الطريق إلى قمة جبل توبقال كان عنوانا للبشاعة والوحشية والبربرية التي رفعت الجريمة الإرهابية ضد السائحتين الإسكندنافيتين إلى درجة اللاإنسانية القصوى. إنه الغدر الجبان حيث هجم ثلاثة مجانين تطرف على فتاتين وذبحوهما وقطعوا رأسيهما في شريط رعب صوروه ورموه في شبكات التواصل الاجتماعي للتباهي وإعلان الانتصار مما زاد من الألم المتفجر في النفوس إزاء هذا العمل الإرهابي غير المسبوق في بلادنا.

نعم، لقد صدمنا في 16 ماي 2003 لأننا كنا نعتقد جازمين أن المغرب محصن من الإرهاب، وتبين أن التربة المغربية بدورها يمكن أن تنبت التطرف الأعمى، واستفقنا على تفجيرات محكمة التنظيم متزامنة في أكثر من مكان بالدار البيضاء ومازال للضحايا صدى في الوجدان كما هو صدى استنكار الفعل الجبان.

ومنذ هذا التاريخ الذي أصبحنا نؤرخ به لما قبل وما بعد 16 ماي، اتخذ المغرب اتجاها آخر كانت أكبر تجلياته أمنية وآخر تمظهراته خلق المكتب المركزي للأبحاث القضائية "البسيج" الخاص بمكافحة الإرهاب ووضع المخابرات والأمن الوطني تحت قيادة موحدة، وتغيير الإطار القانوني للاستخبارات وتمكين الأجهزة الأمنية من وسائل عمل هائلة، وكل هذا كانت له نتيجة واضحة وهي أن الأمن المغربي أصبح علامة دولية على النجاعة في مكافحة الإرهاب وقد أمدت المخابرات المغربية دولا أوربية عديدة بمعلومات ثمينة جنبتها ضربات إرهابية خطيرة كان آخرها ألمانيا قبل أيام.

وعلى المستوى الداخلي، استطاعت الأجهزة الأمنية تحقيق أرقام قياسية في التصدي الاستباقي للأعمال الإرهابية، و فككت أكثر من 170 خلية نائمة في مجمل التراب الوطني وأصبحت صورة رجل الأمن المفتول العضلات والواضع للقناع الأسود والحامل للسلاح الرشاش رمزا لهذا الانتصار على سرطان العصر. فما الذي جرى حتى انفلت الإرهابيون من اليقظة الأمنية وبصموا على واحدة من أبشع الجرائم الوحشية بإمليل؟

الذي جرى بكل بساطة هو أنه من المستحيل الاعتقاد بإمكانية أي دولة أو جهاز على تجنب العمليات الإرهابية مائة بالمائة. وبالتالي، فإن النجاح 170 مرة في هدم عزائم المجرمين على زعزعة الاستقرار لا يعني  النجاة في كل مرة. والدليل هنا في بروفايلات إرهابيي "شمهروش" الذين ظلوا بعيدين عن الرصد، مبايعين لداعش وفي نفس الوقت ذئاب منفردة لا تربطهم أي صلة تنظيمية بالدولة الإسلامية المزعومة، ولم يتركوا أثرا يدل عليهم، وتحركوا في العالم القروي، وليس أي عالم، بل في أوعر المناطق الجبلية بالبلاد، فهل يمكن أن نضع مخبرا وراء كل مواطن؟ بالطبع لا، وما يعزز ما نذهب إليه بلا مداهنة ولا صباغة، هو أن عمليات إرهابية كبرى ضربت دولا كبرى منها فرنسا أكثر من مرة آخرها قبل أسبوعين وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا وغيرهم من الدول والمتورطون من مشارب شتى وببروفايلات مختلفة.

إذن، أعتقد أن الحزم الأمني هو العمود الفقري لمحاربة الإرهاب وما تم عندنا في هذا الإطار وما ينتظر هو التحسين المستمر. إلا أن هذا لا يجب أن يحجب عنا العوامل الأخرى التي يمكن أن نجملها في كلمة البيئة الحاضنة.

صحيح أن ابن لادن لم يكن فقيرا ولا الظواهري كان جاهلا، إلا أن القاعدة الفقهية تقول إن الاستثناء لا حكم له، فالمؤكد أن بؤر الإقصاء والتهميش والفقر المذقع تشكل سوقا مواتية لتسوق التطرف الناجم عن اليأس والحقد الاجتماعي، وإذا اجتمع هذا مع الجهل، فإن الأمر يصبح أكثر خطورة بحيث إن أكثر الأفكار دموية تصل بسهولة إلى العقول المتحجبة.

إن ما قام به المغرب عقب تفجيرات 16 ماي 2003 كان يسير نسبيا في هذا الاتجاه، وربما كانت المبادرة الوطنية للتنمية البشرية جوابا اجتماعيا في شق منها على أخطار التطرف، إلا أن نتائج هذه المبادرة في إطار الحصيلة التنموية العامة ببلادنا وللأسف لم تكن كافية ولا ناجعة. قد تكون حققت بعض الإنجازات وسدت بعض الثغرات ولكن عموما وباعتراف رسمي فإن النمو في البلاد -على ضعفه- لم ينعكس على التنمية وماتزال هناك آلاف المعازل المنسية في ربوع البلاد.

نفس الشيء بالنسبة للمعرفة التي يهمنا فيها هنا الخطاب الديني. لقد بذل مجهود واضح في بلورة التكوين على خطاب وسطي معتدل، وقد خرجنا عشرات المئات من الأئمة والمرشدات والمرشدين الدينيين وصدرنا بعضهم للخارج. إلا أن هذا ظل مطبوعا بالرسمية في زمن يصعب أن تتحكم في قنوات التلقي. لنتذكر إنه على زمن إدريس البصري كان يلزم وصول آلاف المطبوعات الوهابية وتواطؤ الداخلية من أجل ولوجها إلى البلاد كي تشكل خطرا، كما يروي ذلك وزير الأوقاف الأسبق المرحوم العلوي المدغري في كتابه "الحكومة الملتحية"، إلا أنه اليوم وبنقرة واحدة يمكن أن تلج إلى أطنان من الكتب والمسموعات والمرئيات الحبلى بفتاوى الدم والكراهية والتطرف.

الوسطية أقل انتشارا من الغلو في العالم الافتراضي، والجرأة ضعيفة في مباشرة القضايا الحساسة. وكما يقول أبو حفص فإن الفقه الإسلامي بحد ذاته ينطوي على ما يساعد على التطرف ويعمم آيات السيف ولا يخصصها زمكانيا. فإن المجهود الذي يجب أن يبذل من أجل تغيير التأويل لأفعال القتل في الدين الإسلامي لابد لها من جرأة تتغلب على الخوف من  المس بالمقدس، وهذا هو الغائب لحد الآن.

يجب أيضا أن نقطع مع فكر الخرافة لأنه الأخ الشرعي للتطرف، فماذا يعني أن يكون عندنا في هذا القرن الواحد والعشرين مزاراً في الجبل اسمه "شمهروش" أي جني يتم التبرك به!؟ لا يمكن تصور دولة عقلانية تسمح بالخزعبلات في الجبل ولا في البحر ولا في البر!

لا تبرير للإرهاب وهو مدان بلا مناقشة. ولكن المطالبة بالتضييق على منظري هذا الفكر الظلامي الدموي من خلال تجفيف منابع استقطابهم التعليمية والدينية والسوسيو -ثقافية واجب وطني لكل غيور على الاستقرار في المغرب وفي كل مكان حيث الحياة هي القيمة الأولى التي تتفرع عنها باقي الأشياء، ورحم الله لويزا ومارين مع التعازي للشعبين الدنماركي والنرويجي، ورغم كل شيء، دعونا نقول للجميع سنة سعيدة وعمر مديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما وراء ظلال جريمة شمهروش ما وراء ظلال جريمة شمهروش



GMT 15:02 2020 الأحد ,09 شباط / فبراير

أنصار اسرائيل في اميركا يهاجمون المسلمين

GMT 16:11 2020 السبت ,08 شباط / فبراير

من يفوز بالرئاسة الاميركية هذه المرة

GMT 17:21 2020 الجمعة ,07 شباط / فبراير

ايران وحادث الطائرة الاوكرانية

GMT 14:46 2020 الخميس ,06 شباط / فبراير

من دونالد ترامب الى اسرائيل

GMT 17:46 2020 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

أخبار مهمة للقارئ العربي - ٢

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:03 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فوائد الجوز " عين الجمل " لا يعلمها إلا القليلون

GMT 12:28 2018 الجمعة ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الفرسان يتطلعون للفوز بثاني جولات بطولة "هذاب"

GMT 06:07 2017 الإثنين ,18 كانون الأول / ديسمبر

سيت الأفضل لقضاء شهر عسل لتميزها بالمناظر الجذابة

GMT 03:45 2017 الإثنين ,11 كانون الأول / ديسمبر

مديرة الأزياء جين ماكفارلاند تستعرض مجموعة كافالي

GMT 06:22 2017 الأربعاء ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل تصنف المغرب أبرز مُصدّري اليهود منذ استقلال المملكة

GMT 00:00 2014 الجمعة ,12 كانون الأول / ديسمبر

" أوراق بوكافر السرية " جديد الكاتب ميمون أم العيد

GMT 23:10 2017 الثلاثاء ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رشيد غفلاوي سعيد بانضمامه إلى فريق الساحل النيجيري

GMT 23:08 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

المهاجم فيصل عجب يثبت جدارته مع نادي التضامن

GMT 17:14 2016 الجمعة ,01 إبريل / نيسان

سر إغماض العيون أثناء تبادل القبل على الشفاه

GMT 10:51 2017 الإثنين ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنان أمير كرارة يفاجئ المعجبين بإطلالة مختلفة تمامًا

GMT 17:38 2015 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

عبدالفتاح الجريني يحضر لديو غنائي مع العالمي مساري

GMT 03:16 2015 الجمعة ,22 أيار / مايو

شاطئ مرتيل يلفظ أحد ضحايا موسم الاصطياف

GMT 08:17 2017 الأربعاء ,30 آب / أغسطس

إخلاء السفارة الكندية في برلين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya