اليسار يحاول العودة إلى الجنة

اليسار يحاول العودة إلى الجنة!

المغرب اليوم -

اليسار يحاول العودة إلى الجنة

عبد الحميد الجماهري

«ورأيت الشهداء واقفين ،كل على نجمته، سعداء بما قدموا للموتى الأحياء من أمل...»
محمد درويش!

لم يكن صباح السبت، بالمعهد العالي للإعلام، زمنا إضافيا لترتيب الحنين، بل كان اليساريون مدعوين إلى تمرين جديد في الأمل، يدخلونه من بوابة الغربة التي عادوا إليها كما في بداياتهم:بدأ هذا اليسار غريبا، وعاد غريبا.
كان زمنا مستقطعا من دوامة التنافر والتشتت التي دخلها اليسار بإرادة، تكاد تكون انفصامية، ما بين حلم الوحدة وواقع التشرذم.
وكان عليه، أن يروض الغربة بما تراكم لديه، في الفاصل الزمني بين سنوات التوهج الشعبي وبين نزلة البرد الحالية ، من خيال ثوري، وما تراكم لديه أيضا من ذكاء في الروح.
يستطيب اليسار غربته، ويعطيها اسما آخر: التعددية المنزوعة المعنى..
يستطيب أيضا نومه في سرير الحنين، ويسميه سحر الثورة الخفي، وهي تتوزع بين واقعية عاطلة عن الواقع وبين حلم عاطل عن قوة الفكرة فيه!
شخصيا ،فرحت عميقا، بالرغم من أن فرحي، عادة، يكون مثل نيون في ليلة صاخبة وهاجا وسريعا مثل طلقة هاربة.
شخصيا أوجعني هذا الفرح، لأنه صدى لفرح غائب..أفضل منه بكثير، وثانيا لأنه فرح سيظل معلقا ومشروطا بالفعل الميداني.
وهنا المعضلة..
لكن من حقنا أن نكتفي الآن ولا شك بما تحقق: أي القدرة على اجتماع لم يتم منذ عقود.
ونكتفي بما توفر لدينا من سعادة بأننا قادرون على أن نلتقي ونسأل بعضنا:مالنا في الذي تركه الشهداء والآباء والرفاق المؤسسون الذين يحضرون اليوم، أو يغيبون ، من فوق غيمة، بعيدا عن غربتهم في الأعالي؟.
من حقنا أن نفرح بنصف قلب، أو بنصف معنى أو حتى بنصف المنجز …فالطريق طويل للغاية!
ننتظر دوما، لأن الانتظار أحيانا بطولة، حتى ولو كنا ننتظر غيمة …مرتبكة.
ولأنه بطولة، فإننا أحيانا نتمنى أن يكون حملا،
ولو كان كاذبا…
ولقد غادر اليسار زنازينه..منذ سنين، لكن أقواها ظل هو الحنين، بدون خطة عمل مشتركة تنقذه وتنقذ المجتمع الذي يحلم به من يأس إيديولوجي مستحكم بأن الواقع قد أصبح أكثر قوة منه.
أمام اليسار ما كان وراءه بالضبط :مجده ، لكي يدافع عن تاريخه ومشروعيته التي يريد بها آخرون صناعة ..موته!
أمام اليسار ما كان وراءه بالضبط:مجده لكي يدافع عن حقه في مستقبل بلاده، ومستقبل كان يصنعه في الأقبية وفي الزنازين وفي المنافي..
وعليه أن يفكر جيدا حتى لا ينتزَعَ منه حاضرُه ، ويبقى مثل أرجوحة بين ماض مضى وغد لم يصل! 
لكن لا بد له من ثمن يدفعه ، لذاته ومكوناته هذه المرة من تلقاء …ضعفه، لا من تلقاء قوته، كما كان يدفعه لفائدة خصمه الطبقي أو السياسي أو حتى خصمه الوطني!
فقد بدد انتصاراته كلها، التي ربحها في حروبه الطبقية والسياسية والثقافية، الخارجية في حروبه الداخلية، وفي نزعة الاختلاء إلى نفسه، حاملا سكاكينه ، واقفا أمام المرايا ليقتل صورته في مغرب يتجدد.
له الوطن، في إعادة تعريف جديدة تنبهه إلى عودة الأوطان إلى خريطة العالم، بعد أن كانت العولمة قد شردت البلدان خارج حدودها في هلام اقتصادي شديد المراس، يُذوِّب قارات بكاملها في سلال العدم. 
وله الأرض التي يعيد تعريفها أيضا ويعيدها إلى دورتها وإلى الأفق الكوني!
لا يتجادل يساريان أن اليسار يحاول أن يندس في حاضر ضيق عليه، ويحتمي في الحنين..أو في صياغة أسئلة قريبة من التراجيديا، فيما هو تاريخيا ووظيفيا ابن الحياة المجيد، وابن الفكرة وهي تتحول إلى قوة مادية، وهو ابن الواقع المر ..
لكن اليسار، ليس فقط أفكارا رفيعة تملك ما يجب من نبوة النزاهة، بل هو أيضا ضياع القيم في تراكيب الواقع المتقلب، ما بين انهيار القيم وبين صعودها في صفوف الآخرين!
لم يعد اليسار يملك الشرعية الأخلاقية وحده، ولا الموقع الاجتماعي وحده، ولا يملك الطبقة الوسطى وحده، ولا يملك تاريخه وحده، بعد أن صارت الحداثة جزءا من بنية الدولة الحديثة إلى جانب البوليس القديم والسرايا المتجددة للمخزن الملتحي!
يفكر اليسار بغير قليل من الارتباك الشاعري:كنا في الجنة بالرغم من أن المغرب كان جحيما، لأننا كنا الأقوى والأبهى والأقرب والأمثل ، ضمن ما تسمح به نسبية الإنسان في قدرته على الصمود..
كانت هناك جنة ربما، في صناعة الأفكار، والنماذج القريبة من الملائكة:في الزهد في الحياة، في النضالية العالية في الاستعداد المرح للموت..!
لكن المغرب لم يكن جنة..ليبحث اليسار عن خطيئة أخرجته منه، اليسار قوة فعل بشرية ظل يرجئها بلا معنى وعليه أن يشعر بأن قوة فعله ليست مائدة للوداع أو اللقاء بل فكرة للحياة..!
لا بد من قوة النموذج في السيرة
وفي الحياة
وفي الديموقراطية
وفي الرفاقية
وفي الزهد
وفي نكران الذات
وفي الصدق
وفي النقد الذاتي 
وفي النقد الذاتي
وفي النقد الذاتي..
وفي الثقة في شعب ظل مهملا..
أحب ديوان سعدي يوسف:»الشيوعي الأخير يدخل الجنة«!
واليسار جنته : هي شعبه، هي شعبيته ، هي فقراؤه ….وقيمه !

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اليسار يحاول العودة إلى الجنة اليسار يحاول العودة إلى الجنة



GMT 19:41 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

الاهتمام بلبنان في ظلّ إعادة تأسيسنا صاروخيّاً!

GMT 19:39 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ثلاثية الكويت

GMT 19:36 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

محاكمة لجنة التحقيق!

GMT 19:35 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

فكرة بديلة فى الرى!

GMT 19:32 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

ما نعرفه حتى الآن

GMT 12:34 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

الشخصية اللبنانية كمزحة

GMT 12:32 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

لماذا يكره المتطرفون الفنانين؟

GMT 12:29 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

ارفع معنوياتك!

لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 18:57 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج الثور

GMT 14:07 2016 الجمعة ,16 أيلول / سبتمبر

الأبنوس

GMT 15:05 2019 الثلاثاء ,11 حزيران / يونيو

نيمار يبلغ سان جيرمان برغبته في الرحيل هذا الصيف

GMT 14:42 2018 الأربعاء ,19 كانون الأول / ديسمبر

السالمية الكويتي يبدأ مشواره العربي بلقاء الشبيبة الجزائري

GMT 15:23 2018 الإثنين ,15 كانون الثاني / يناير

سنوات يفصلها رقم

GMT 11:24 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

الملك محمد السادس يرسل برقية تعزية إلى الرئيس الكاميروني

GMT 13:45 2019 الثلاثاء ,04 حزيران / يونيو

أول صالون تجميل يستقبل المحجبات في نيويورك

GMT 23:50 2019 الأحد ,02 حزيران / يونيو

باتريس كارتيرون يُراقِب العائدين من الإعارة

GMT 00:14 2019 الثلاثاء ,23 إبريل / نيسان

السعودية تنفذ حكم القتل تعزيرًا في حق صدام حسين
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya