الإرهاب يحرّر الغرب من عقدة المصطلح

الإرهاب يحرّر الغرب من عقدة المصطلح

المغرب اليوم -

الإرهاب يحرّر الغرب من عقدة المصطلح

بقلم : عبد الحميد الجماهري

لم يعد العرب المسلمون، في شكلهم الراديكالي، ينظِّرون لنهاية التاريخ العربي المتجه نحو الغرب، بل فرضوا على الغرب نفسه أن يشعر بالخوف على كل ما اكتسبه من مهاراتٍ ديمقراطية. وهذا ما يبدو واضحاً من النقاشات التي تسكن اليوم النخب السياسية والفكرية في البلدان التي ضربتها يد الإرهاب، وبات عليها أن تفكّر من جديد في معضلة الديمقراطية والأمن، ودولة الحق والقانون، على ضوء التجارب المرّة المكلفة إنسانياً ومجتمعياً.
ولم تعد، في المقابل، هناك أيّ عقدة في المصطلح، بما فيه الأكثر كراهية، والذي كان يشير، بذاته، إلى وجود أزمة أخلاقية في الديمقراطية الغربية، كما مصطلح غوانتنامو. فقد تابعنا، من جنوب المتوسط، بغير قليلٍ من الذهول، كيف كان اليمين الفرنسي، تحت القبة البرلمانية، ينفخ في الجمر، ويصب الزيت على نار الخوف الفرنسي، في أثناء مناقشة التمديد لحالة الطوارئ التي أعلنتها الحكومة، عقب المجازر الإرهابية التي ضربت بلاد الجنرال ديغول.
سمعنا من دعا إلى إنشاء «غوانتنامو الفرنسية»، في حين كان الرئيس الفرنسي، سليل المدرسة الحقوقية الكبرى في الأممية الاشتراكية والبناء الفكري لجان جوريس، يقيم الدليل أن «يده لا ترتعش»، كما اتهمه خصمه السياسي، نيكولا ساركوزي.
يدرك الوعي الفرنسي أن تطبيقاً زمنياً من قبيل الطوارئ يطرح عليه مشكلة نَسْف الأساس الذي بنت عليه فرنسا الحقوقية والجمهورية مجدها كدولةٍ للحق. بل هناك من اعتبر أن فرنسا مطالبةٌ أن تَسْعَى إلى مأسسة حالة الطوارئ التي لا وجود لها في الدستور الفرنسي. وكان حلم الرئيس أن يعيد إلى الطاولة النقاش حول التنصيص عليها في الوثيقة الدستورية. .. شيء من هذا لم يكن في الحسبان، ولا كان يخطر على بال الفرنسيين.
بعد «غوانتنامو»، دسترة حالة الطوارئ، ويتحرّر العقل الغربي والضمير الغربي من أي عقدةٍ إزاء المصطلحات التي نعتبرها جزءاً من قاموسنا اليومي في دول شرق المتوسط وغربه!.
تبدو فرنسا وبلجيكا وعموم الغرب مندهشين من السرعة التي يتم بها التطرّف القتالي لدى الجهات الإسلامية المرتبطة بداعش، أو الأفراد، فقد اكتشفت ألمانيا أنها هدفٌ قتاليٌّ معلن للمنظمة - الدولة في «داعش»، وتبين، أيضاً، أن مرتكب الفعل الإرهابي الأول، يوم 18 يوليوز الجاري، شاب عمره 17 سنة، من أصول أفغانية، حمل ساطوراً، وركب القطار، وبدأ في «سلخ» الألمان بـ «إرادة بيّنةٍ في التصفية النهائية»، وكانت المفاجأة أنه «حديث العهد جداً بالتطرف».
«يدرك الوعي الفرنسي أن تطبيقاً زمنياً من قبيل الطوارئ يطرح عليه مشكلة نَسْف الأساس الذي بنت عليه فرنسا الحقوقية والجمهورية مجدها كدولةٍ للحق»
الذهول نفسه عَمَّ فرنسا أمام عجز السلطات على الحسم في طبيعة الفعل الإرهابي الذي ذهب ضحيته عشرات الفرنسيين، يوم عيدهم الوطني، ثم الحكم نفسه أطلقه وزير الداخلية الفرنسي عندما صرح: «حسب المحققين، تطَرَّف الإرهابي في وقت وجيز، وهذا يعني أسلوباً جديداً في العمل الإرهابي».
وعادةً ما يدفع هذا الذهول إلى الارتماء في السهولة، والبحث عن الحلول السابقة، كحالة الطوارئ أو التفكير في الاعتقالات الواسعة، والتي كانت ترتبط في الذهن الغربي بالسلوك النازي والفاشستي، إبّان اللحظات الجارحة في تاريخ أوروبا الحديث.
ولعل جزءاً من «الحرية» في التخلي عن المصطلحات المشينة، فيه أيضاً تحرّر من عقدة أوروبا، إزاء ما أنتجته من وحشيةٍ في شكلها النازي والفاشستي معاً. ويحضر هذا النوع من التحرّر في انتشار خطاب اليمين المتطرف، وفي توسيع قاعدته الانتخابية، بل أصبح الدليل على حماية أوروبا هويتها الأوروبية، بوهم التخلص من التطرّف، بالتساهل مع القواعد التي بَنَتْها.
في ألمانيا، ما زالت الشرسة، أنغيلا ميركل، تحتفظ بقاموسها الإنساني، وتتحدّث عن «ألمانيا القوية بضيافتها»، هي التي سبق لها أن دافعت عن المهاجرين السوريين «الذين سيذكر التاريخ أنهم اختاروا برلين، في وقتٍ كانت مكة قريبة منهم». لكن النقاش الذي يدور في البلاد لا يختلف عمّا يدور في فرنسا، على الرغم من ثقل التاريخ المخزي لألمانيا مع أي مسٍّ بالديمقراطية ودولة الحق. وهنا، يكتسي التحرّر بُعْدين اثنين، التحرّر الغربي العام والتحرّر الألماني الخاص، أي تتحرّر ألمانيا من عقدتها مع المصطلح النازي في أوساط شعبها.
التزمت ألمانيا أن تكون شريكاً عسكرياً أكثر فعالية؟ وهذا معناه تحرّرها من المصطلح العسكري الذي ظلت تجرّه منذ انتصار الحلفاء.
هناك خوف حقيقي من انتشار فكرة المرشح الجمهوري لرئاسة أميركا، دونالد ترامب، عن العلاقة مع الآخرين، ولا سيما المسلمين، وتحويل دينهم من عقيدةٍ إلى..عرق، يتحلّل باسمه اليمين واليمين المتطرّف من خِزي المصطلحات العنصرية، وتلك مقدمةٌ جديدةٌ لصناعة الخريطة السياسية للغرب. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإرهاب يحرّر الغرب من عقدة المصطلح الإرهاب يحرّر الغرب من عقدة المصطلح



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 11:14 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج القوس

GMT 15:51 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج العذراء

GMT 11:04 2020 الإثنين ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حظك اليوم الإثنين 9 تشرين الثاني / نوفمير لبرج العذراء

GMT 00:58 2020 الثلاثاء ,28 كانون الثاني / يناير

دراسة تحدّد الأطفال الأكثر عرضة لخطر السكري من النوع الثاني

GMT 19:55 2019 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

رشيد دلال مساعدا للكيسر في تدريب أولمبيك آسفي

GMT 05:10 2016 السبت ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران تستضيف أعمال الفن العربي الحديث في متاحفها

GMT 07:35 2020 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

غوايدو يدعو الفنزويليين للاحتجاجات ضد مادورو

GMT 17:50 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

وهبي يراسل وزير الصحة بشأن غياب دواء مرضى السرطان
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya