هل يحب العرب كابتن أمريكا

هل يحب العرب كابتن أمريكا؟

المغرب اليوم -

هل يحب العرب كابتن أمريكا

بقلم : عبد الحميد الجماهري

العالم كله مرعوبٌ من وصول دونالد ترامب إلى سُدّة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية. في الصحافة الأوروبية، تعبير صريح عن القشعريرة التي امتلكت النخب من ترامب، وهو يأخذ المفاتيح النووية من باراك أوباما. اعتبرت «ليبراسيون» الفرنسية، مثلاً، الأمر كابوساً. ترامب رجل خارج شبكة التوقع، وما يمكن العالم أن يخمّنه بخصوصه هو أنه غير قابل للتخمين، والعالم متوتر منه إلا إسرائيل وبعض العرب.

تعرف تل أبيب أن ترامب وعد في حملته الانتخابية بالقدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل، وظل نتنياهو، المتأرجح بين انتظار الرئاسة الجديدة والمحكمة، يأمل في وصول الرئيس الجديد، لكي يجمّد القرار الأممي اعتبار الاستيطان عملاً عدائياً ومرفوضاً، بإجماع دولي، غضب منه رئيس وزراء إسرائيل، لأن أوباما لم يستعمل حق النقض (الفيتو)، وهي عادة ألفتها إسرائيل، منذ تأسيسها، من العم سام.

ليست مصادفةً أن بلدية القدس المحتلة وافقت، يوم 22 يناير الجاري، على منح الضوء الأخضر لبناء 566 وحدة سكنية في ثلاثة أحياء استيطانية في القدس الشرقية المحتلة، أي بعد يومين على تولّي دونالد ترامب الرئاسة في الولايات المتحدة. ليست مصادفةً، لأن نائب رئيس البلدية، مئير ترجمان، الذي يترأس لجنة التخطيط والبناء، أعلن أن أذون بناء هذه الوحدات تم تجميدها أواخر ديسمبر الماضي، بطلب من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في انتظار تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد.

ولعل نتنياهو هو الحاكم الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي يدرك جدول الأعمال الاستراتيجي الذي سيناقشه مع الرئيس الأمريكي، كما يبدو مما صرّح به. بالنسبة له، ستتضمن المكالمات الأولية مع الرئيس ترامب مواضيع تتعلق بالفلسطينيين، والوضع في سورية، والتهديد الإيراني. وبعبارة أخرى، كل ما هو في حكم الاستراتيجي لمنطقةٍ ملتهبة، كالشرق الأوسط.

ويتذكّر الذين تابعوا حملة ترامب وعدها القاطع، نقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وكيف يربط بين أية حركة تحرّر في المنطقة والإرهاب، وكيف يخلط بين الشعوب التي تريد حريتها والحركات المتطرفة المنبوذة أصلا في شعوبها. وقد فطنت إسرائيل دوما إلى دفع الإدارات القريبة منها، ولاسيما في الوسط الجمهوري، إلى التباسٍ غير مبرّر، يضع الفلسطينيين أنفسهم، من الثوريين إلى الحاكمين إلى المدنيين، في خانة غير المرغوب فيهم. والدليل الطريقة التي اختارها رئيس الوزراء، مجرم مجزرة صبرا وشاتيلا، إرييل شارون، في التعليق على الضربات التي تلقتها أمريكا في 11 سبتمبر 2001، في عهد الرئيس بوش، عندما لم يتورّع في المقارنة بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وأسامة بن لادن.

لم ينتظر كثيرون، في أوروبا، التنصيب لإعلان مواقف متخوفة من كابتن أمريكا القوي، سواء في المجال الاقتصادي أو المجال السياسي أو في العلاقات الدولية، كما صرح الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، منتقداً الحماية الجمركية، وقال إن التعدّدية لا بد أن توجه العلاقات الدولية مع وجود دور للأمم المتحدة، مناقضاً دعوات ترامب إلى تشديد الرقابة على الحدود ومنهج «أمريكا أولا»، في أول كلمة له رئيساً.

ولم يجد الرئيس الجديد حلفاء في أوروبا سوى من لا يحلم بأوروبا، أو يسعى إلى تفكك الكيان الاتحادي الأوروبي، من قبيل رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، التي قادت استفتاءً لفصل بريطانيا عن أوروبا، أو مارلين لوبين، اليمينية المتطرّفة التي رأت في التنصيب بداية يقظة عالمية، ولم تتردد، وهي زعيمة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، في مؤتمر أحزاب اليمين المتطرّف والشعبويين الأوروبيين، في التنبؤ بثورةٍ انتخابيةٍ هذه السنة في أوروبا في إطار سلسلة انتخابات حاسمة. وبدفع من «بريكست» وتنصيب دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة، رأت لوبين أن الناخبين الفرنسيين والألمان والهولنديين قد «يغيّرون وجه أوروبا» في 2017.

يهدهد كابتن أمريكا، حلماً هوليودياً من الخيال العلمي، منذ توضح لديه أن مساره نجماً في تلفزيون الواقع هو ما كان وراء فوزه، يتمثل في كابتن أمريكا الذي يهزم الأعداء وحده بدون الحاجة إلى حزبٍ أو نظام قائم، هو في التسلسل الرئاسي الرجل الذي يودّ أن يرث سلالة رؤساء من طينته بالمشاعر الجامحة والجامعة نفسها، بين احتقار النظام السياسي القائم واعتبار أن أمريكا محاطة بالأعداء من كل الجهات، فهو الرئيس الامتداد لريتشارد نيكسون، وهو يمجّد «الأغلبية الصامتة»، هو كذلك النسخة غير المنقحة لرونالد ريغان الذي تعهد باستعادة عظمة الولايات المتحدة.

لن يفكّر كابتن أمريكا في مشاعر الشعوب، غير الشعب الأمريكي وإسرائيل التي عبر لها عن أقصى درجات الود «الاستراتيجي والعقدي». وقد تغيرت قاعدة التقييم الجيواستراتيجي كثيراً، في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ولم تعد القضية الفلسطينية معياراً للحكم على طبيعة الإدارات والقرارات، فانضافت القضية السورية، ثم العراقية، وقضية «الإرهاب الإسلامي» والإسلام السياسي، في تقدير المواقف، وتغيرت عواطف الشعوب وحسابات الحكام.

والحال أن دونالد ترامب يشترك مع النزعات الشعبوية، دينية كانت أو يمينية، أو حتى تقدمية، في الإعلان السياسي الواضح عن احتقار المؤسسات، ثم اعتبار كل المنخرطين في النظام وأصحاب القرار مجموعة من اللصوص والقراصنة، وأن الشعب ينتظر مهديه المنتظر، ليخلصه من مجموعة من البِطاناتِ السيئة، وكلها علامات جرّبتها البشرية من قبل، ولم يكن فيها أي انتصار للديمقراطية. ولا أحد يمكنه أن يفهم، غير جزء من العرب، كيف لرجل وعد بإعادة السلطة إلى البسطاء يكون أول قرار له حذف الاستفادة من التغطية الصحية للفقراء والعمال البسطاء.

يشعر جزء كبير من العرب بأنهم، في واقع الأمر، عزّل أمام الصين وأمام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وأمام بريطانيا، داخل الاتحاد الأوروبي أو خارجه، وأمام أمريكا وأمام شعوبهم. لهذا، لا يستطيعون تقدير الأشياء حق قدرها. واعتبر جزء كبير من النخب أن وصوله سينهي معضلةً كبيرةً، فرضتها الفصول الربيعية، أي البحث عن بدائل لدول الحكم الفردي، أو الحزب الفردي في الإسلام السياسي. واعتبر جزء آخر أن العداء لأنظمة التحنيط القبلي يجد صنوه في الهجوم الذي يقوده ترامب ضد المؤسسة (establishment) الأمريكية. والحال، في زمن الشعبويات الكبرى، يهزم الديمقراطيون أينما كانوا، ويمرّون بقرون طويلة من السبات الإنساني.

المصدر : جريدة الاتحاد الإشتراكي

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يحب العرب كابتن أمريكا هل يحب العرب كابتن أمريكا



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

حظك اليوم الأربعاء 2 كانون الأول / ديسمبر لبرج العقرب

GMT 11:55 2021 الأربعاء ,06 كانون الثاني / يناير

كن هادئاً وصبوراً لتصل في النهاية إلى ما تصبو إليه

GMT 15:33 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الجوزاء

GMT 19:14 2019 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

جون تيري يكشف مميزات الفرعون المصري تريزيجيه

GMT 17:27 2017 الإثنين ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

وضع اللمسات الأخيرة على "فيلم مش هندي" من بطولة خالد حمزاوي

GMT 22:05 2019 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

إليك كل ما تريد معرفته عن PlayStation 5 القادم في 2020

GMT 05:54 2017 الأربعاء ,12 إبريل / نيسان

بسمة بوسيل تظهر بإطلالة العروس في أحدث جلسة تصوير

GMT 09:38 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

خلطات منزلية من نبات الزعتر الغني بالمعادن لتطويل الشعر

GMT 16:41 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

لمحة فنية رائعة من صلاح تسفر عن هدف

GMT 12:21 2020 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

محمد يتيم يعود للكتابة بالدعوة إلى "إصلاح ثقافي عميق"
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya