العقل السماء الأخرى التي تَحدُّ العرب

العقل.. السماء الأخرى التي تَحدُّ العرب

المغرب اليوم -

العقل السماء الأخرى التي تَحدُّ العرب

بقلم عبد الحميد الجماهري

من فرط ما ارتبط كل شيء عربي وشرق أوسطي بالبترول، كادت هذه المادة الطاقية تتحول إلى… لاهوت. واللاهوت، هنا، بمعنى الكينونة الأزلية. لأننا، بكل بساطة، تعاملنا معه، أو الذين يملكونه على الأقل، كما لو أنه لا ينضب.
لكن، ثبت أنه هو أيضا قابل للانطفاء، كما هو قابل للاشتعال.
والمرحلة، قد تذكّرنا، مع فارق في المبررات الاستراتيجية الراهنة والمقبلة، بما قاله الرئيس الفرنسي، جورج بومبيدو، في 1973 إن «الأزمة التي وضعت أوزارها في السوق الدولية للبترول أحدثت مخاطر التباطؤ الاقتصادي هنا وهناك. وبمعنى آخر، لن ينجو أحد من مرحلة ما بعد أزمة النفط الحالية».
وإذا كان العالم كله قد دخل في عهد ما بعد البراميل، فإن دول الشرق الأوسط مطالبة أكثر من غيرها بأن تفكّر فيه تحت الضغط، من زاويتين على الأقل: زاوية الطاقات الجديدة، كالطاقة الشمسية مثلاً، ثم الثورة المعلوماتية.
ويتأكد، يوماً عن يوم، أنه لم يسبق أن كانت للبترول رائحة اليأس العربي الكبير، كما هو الحال اليوم. وقد صار الموضوع، رسمياً، من أجندات السياسيات العمومية في كل دول الشرق والغرب الأوسطية.
علينا أن نتخوف من ضياع زاويتي النظر التي سبق ذكرهما أعلاه، لأن التاريخ لا يسعفنا بأن الدول المعنية استفادت في المراحل أو من الثورات السابقة.
وفي التحقيب البشري، كانت الثورة النفطية المناسبة الوحيدة لكي يكون لشعوب الشرق الأوسط، وبعض غربه، فرصة دخول التاريخ من واسع أبوابه، إن لم نقل التأثير فيه جذرياً، فلا هي استفادت من ثمار الثروة البخارية، ولا هي استفادت من فواكه الثورة الصناعية. كما أن الثورة النفطية لم تكن من وسائل التأثير في حياتها، بالشكل الذي يجعلها مسايرة للثورات المقبلة، بل كان النفط، في أحيان كثيرة، لعنة الأرض التي دفع العرب ثمنها من حروبهم ومن أراضيهم ومن حياتهم ومن أجيال طويلة من الشعوب.
البديل الآن؟ ليس هناك محيد عن الثورة المعلوماتية، ثورة المعرفة الجديدة التي تملك كل الدول مقوماتها، إذا ما هي استطاعت أن تقرأ مستقبلها في غير فنجان البترول.
ويدرك الجميع أن هناك فارقاً أساسياً لم ينتبه إليه العرب، وهم يجمعون الثروات من الثورة الطاقية: كل الطاقات، كل موادها هي قابلة للنفاذ والنضوب، إلا الثورة الرقمية، والمعلوماتية التي تتزايد وتتراكم مع مرور الوقت. فكلما استعملنا الثروة المعلوماتية، زادت، وتراكمت معطياتها ورساميلها. فقد نضب الفحم، ولم تعد مناجمه تشكل باباً للحروب، ولا مسالك في الاستراتيجية. كما سبقته المعادن الأخرى، كالحديد والصلب والمنغنيز والرصاص، إلى التقلص أو الانقراض تماماً.
لن يختلف شرقا وسطيان على أن الدول المنتجة للنفط سافرت بعيداً في الثروة، لكنها، في المقابل، ضيقت من أفقها التحديثي.
وهذا يستوجب أن تعرف الثمن الذي ستدفعه من أجل نجاح الثورة المعلوماتية، سياسياً ودولتياً (من الدولة). فعلى عكس الثورات السابقة، هذه الثورة لا زعيم فيها، ولا زعماء، إلا ما تنتجه الذوات الجماعية، ولا يمكن النجاح فيها إلا إذا خرجت السلطة العربية من هرميتها التي تكبس على المجتمع.
الخبراء والفلاسفة الذين تناولوا موضوعة الثورة الرقمية، أو الثروة الرقمية، لا فرق، يضيفون إلى هذا ما يسمونه عادة «لا مركزية مطلقة في تداول الأفكار»، وهو عكس المجتمعات المنكفئة على نفسها أو التي يوجد فيها تداخل بين الشرط البشري لاستمرار الدولة والشرط الاقتصادي لاستمرار الثروة.
الثمن، بكل بساطة، هو الخروج من منطق إلى منطق مغاير، يعتبر الثروة المعلوماتية نتيجة تحول عميق في بنية السلطة وبنية إنتاج القرار، سواء السياسي منه أو الاقتصادي أو المجالي أو الأمني …الخ.
أعطت الأرض الثروة الأولى، بثورتها المعروفة، والآن فالطاقات السماوية، الشمس والهواء والماء، هي النفط الجديد «نفط السماء»، كما هي الثورة المعلوماتية، أو الرقمية ثورة العقل.. السماء الأخرى التي تَحدُّ العرب. 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العقل السماء الأخرى التي تَحدُّ العرب العقل السماء الأخرى التي تَحدُّ العرب



لتستوحي منها ما يُلائم ذوقك واختياراتك في مناسباتك المُختلفة

تعرّفي على أجمل إطلالات نيللي كريم الفخمة خلال 2020

القاهرة - ليبيا اليوم

GMT 15:55 2020 الإثنين ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم الجمعة 30 تشرين الأول / أكتوبر لبرج الميزان

GMT 04:16 2019 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

زكي يوجه رسالة قوية إلى مسؤولي الدفاع الحسني الجديدي

GMT 14:34 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

"بريزنتيشن" تؤكد أن مُبررات "صلة" في شأن فسخ تعاقدها غير الصحة

GMT 08:32 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

"الأساور العريضة" تصلح لمختلف مناسبات صيف 2018

GMT 11:37 2018 الأربعاء ,17 كانون الثاني / يناير

ياسمين جمال ترتدي فستان الزفاف للمرة الثانية بعد الطلاق

GMT 01:48 2016 السبت ,08 تشرين الأول / أكتوبر

علاج الشيب نهائياً وبألوان مختلفة

GMT 17:48 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

تمارين تساعدك في بناء العضلات وخسارة الوزن تعرف عليها

GMT 04:16 2019 الإثنين ,30 كانون الأول / ديسمبر

المغرب يشهد نهضة غير مسبوقة في مجال التنقيب عن النفط

GMT 06:33 2019 الخميس ,24 تشرين الأول / أكتوبر

تعرف على الفوائد المذهلة لثمرة الرمان على الصحة
 
libyatoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

libyatoday libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday libyatoday libyatoday
libyatoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
libya, Libya, Libya