بقلم : عبد الحميد الجماهري
الصوفيون يغرون دوما بالكتابة
والصوفية في جزء منها تمرين الموتى على حياة قبلية
لكن هذا الإغراء لا ينفي إغراء آخر: الصوفية تبقى أيضا تمرينا قبليا على السياسة…
شاء الصوفي أم لم يشأ..
في السلام والطمأنينة والهدوء يقف الفعل السياسي
كان الفرنسي شارل بيغي charles peguy يقول :
كل شيء يبدأ صوفيا وينتهي سياسيا
كل شيء روحاني قبل أن يصبح سياسيا..
الصوفية ليست حظ المؤمنين من المشهد القادم في جنة الله العليا
هي أيضا حظ السياسة من التاريخ..
كانت البودشيشية تطوف بأبنائها بين الطبقات العليا من الميتافيزيقيا
ووحدهم يرون المعجزات والكرامات أحيانا
تتحقق بالطمأنينة وسط الصخب الرهيب للحياة الجديدة..
كانت دوما بِرْكة الله المفتوحة للجميع:
من دراويش الوطن إلى كبار رجال الدولة
في الجو
والبر
والبحر..
صار للبودشيشية معنى آخر منذ ظهر عبد السلام ياسين.. من صفوفها!
كان طالعا من تضاريس العزلة بين مداغ وبركان
من جبال قريبة من الشرق الساهب في القفر..
وأصبح معروفا بالطوفان..
والرسالة الشهيرة إلى الملك الراحل
والمعتقل النفسي
ثم الإقامة الجبرية.. إلى أن جاء رفع الحصار عنه من طرف العهد الجديد..
ولو لم يغادر عبد السلام ياسين سهوب الروح، في مداغ البرتقالية، ما كان ليصبح ما هو عليه..
اعتقد بأنه حصل على السر الرباني برفقة العباس الوالد
كان للشيح الراحل رأي آخر
فاختار حمزة ابنه، الذي غادرنا منذ أيام،
ظل ياسين يحمل ظل العباس رحمه الله، هو الذي جاء إلى العزلة الصوفية من باب أزمة الهوية في بداية خمسينيته من العمر
كان قادما من «مجاهل» الحداثة إلى
صوف الروح
والتقشف البعيد ..
أحيانا كثيرة دخل التصوف والتدين الجديد في مرارة العلاقة:
الصوفي لا يبعث على ثقة الأصولي
والإسلام السياسي يجد أن الصوفية تكاد تشبه التحريف
لا يتعايشان منذ تاريخ بعيد
ويتجدد هذا التقابل كل مرة تكون الأصولية قريبة من السياسة..
لهذا لا يفهم الكثيرون مواقفهم من التدين الصوفي..
الصوفية في المغرب كانت دوما نوعا من التركيبة بين الدين بمسحته المغربية
والتاريخ
التركيبة الوحيدة التي لا تمارس السياسة بالمباشر إلا لماما..
كانوا يرون فيها الرابطة بين الملحمة والمعجزة
وشارل بيغي نفسه رأى فيها:الجمع بين تواضع الهبة وسخاء الأنفة»
.. ومرة جابت الصوفية أحياء البيضاء
دفاعا عن مغرب مستقر في دستور جديد..
مرة وحيدة شاهدناها رأي العين تخرج من جبة الروح
والى الشارع العام للدفاع عن كفرة مغرب مستقر في جنيديته الصوفية وأشعريته المذهبية..
لم تنل المسألة حظها من النقاش وقتها
لأن السقف كان عاليا
مادة وروحا..
رحل الشيخ حمزة..
وقد يكون أحد أهم رجالات البلد
بدون الحاجة إلى أن يكون في المشهد دوما..
وأحد أهم شخصيات البلاد التي تحظى بمتابعة عميقة تكاد تكون سرية» من عشرات الملايين من الناس عبر العالم، كدليل على أن الشهرة لا تعني .. دوما الإفراط في الحضور الإعلامي
ولا التأثير بالكثير من الصراخ والبهرجة..
وستظل البودشيشية حاضرة في وعي الساسة
ولاوعي المؤمنين الذين ينصرفون إليها
ميتافيزيقا، دينية سليمة من كل دنيا..
تركيب مغربي يكون التاريخ فيه روحا،
والروح تاريخا..
المصدر : صحيفة الاتحاد الإشتراكي